الكاتب: hisoka512

شبـاب باتنة أول فريق جزائري يطبع الأسمــآء باللغة العربية

1393021_10151745866004143_177878383_n[1]

فاجأ مؤخرا نادي شباب باتنة لكرة القدم الناشط في بطولة القسم الوطني الثاني الممتاز الأسرة الرياضية وعشاق اللعبة المستديرة عندما راح يكتب أسماء لاعبيه على قمصانهم باللغة العربية ، وهي المبادرة التي نوه بها الجميع وإعتبروا شباب باتنة بمثابة أول نادي جزائري يطبع الأسمــآء باللغة العربية بإعتبار أن كل الأندية الجزائرية وفي كل الإختصاصات تفضل كتابتها باللغة الفرنسية، فألف تحية لكم يا مسؤولي وأنصار شباب باتنة هذا النادي العريق الذي يمثل الجزائر والشواية الأحرار، وما أتمناه هو أن تلتحق كل الأندية الجزائرية وفي كل الإختصاصات وتطبع أسماء لاعبيها باللغة العربية، لغة القرأن ولغة الوطن ولغة الإنتماء والأصالة.

احمد حجاب

العلامة الجزائريّ «مولود قاسم نايت بلقاسم» الأمازيغي المدافع عن العربية

(1927 م– 1992
مولد العلامة:
ولد في 06 جانفي سنة 1927 بقرية آيت عباس بمدينة بجاية الواقعة في منطقة القبائل الكبرى، أو كما عرف بمنطقة ” جبال جرجرة “، والتي لعبت دورا تاريخيا مهما أثناء الثورة الجزائرية، فهو أمازيغي ابن فلاح عباسي قبائلي، وهو المجاهد الكبير في ثورة التحرير المباركة، كان مناضلا سياسيا نشطا في الدفاع عن قضيةوطنه العادلة، وكان المجاهدون يطلقون عليه اسما ثوريا مميزا وهو:”سي بلقاسم الوطني
رحلتـه العلميـة:
شهادة الشيخ ” محمد الطاهر آيت علجت ” حول مولود قاسم نايت بلقاسم كانت ثرية حقا، فهذا الشيخ هو من تولّى تدريس نايت بلقاسم مذ كان طفلا صغيرا، كما أنّهكان صديقا لوالده وأقرب جار له في قرية آيت عباس، وقال الشيخ آيت علجت إنّ مولود قاسم كان تلميذا نجيبا في صغره، وقد برز نبوغه عندما كان يدرس القرآن والحديث في مسجد القرية، وقال إنّ الله استجاب لدعوة والده الذي دعا له أن يصبح فقيها في الدين.
لمّا كتب له التوجّه للمدرسة الفرنسية في سنّ السادسة عشرة حيّر مولود قاسم مدرّسيه الفرنسيين لشدّة نبوغه وقوة ذاكرته، وحبّه الشديد لوطنه وللغته العربية ودينهالإسلاميّ، وبسبب بعده عن مقرّ سكناه قرّر مولود قاسم ترك تلك المدرسة الفرنسية التي كان يطلق عليها الشيخ بن باديس اسم ” القلعة “، وكان
مولود قاسم يحبّ مخالطة من يكبره سنّا ليحرق مراحل تكوينه التعليميّ، وساهمت مبادراته العصامية في
زيادة نبوغه ونجاحه الدراسيّ .توجّه بعدها إلى تونس لمواصلة دراسته حيث كانت الدراسة متاحة في تونس أكثر من الجزائر التي عانت مؤامرات الفرنسيّين ومساعيهم لتجهيل الشعب الجزائريّ، ثمّ التحق مولود بجامع الزيتونة سنة 1946،
والتحق بعدها بحزب الشعب سنة 1947، قبل أن يبتعث إلى القاهرة تكريما له باعتباره الأول على الدفعة، وفي سنة 1954 التحق بجامعة باريس التي سجّل فيها أطروحته لنيل الدكتوراه، والتي حملت عنوان:
” 
الحرية عند المعتزلة ” ، غير أنّه تخلّى عن المشروع سنة 1956 على إثر مضايقات الشرطة الفرنسية له والتي فرضت عليه مغادرة البلاد بسبب استجابته لنداء الإضراب الذي دعا إليه اتحاد الطلبة المسلمين، وتوجه بعدها إلى دولة التشيك، والتي سجّل بجامعتها مشروع أطروحة دكتوراه بعنوان ” الحرية عند كانط
، وما لبث برهة في التشيك، حتى دعاه نداء الوطن فترك مشروعه البحثيّ متجها نحو ألمانيا، حيث كلّفه المفاوض الجزائريّ ” سعد دحلب ” بكتابة ردّ على المفاوض الفرنسيّ جوكس في مفاوضات إيفيان سنة 1961، حول إصرار الجزائريين على رفض فصل الصحراء الجزائرية، ولولا أنّه اختار رحمه الله خطّ
الدراسات الإنسانية والاجتماعية لكان قد أصبح طيّارا كما رشّحه مدّرسوه لشدّة ذكائه وفطنته .تضحيته بشهادة الدكتوراه من أجل الجزائر:كان مولود قاسم نايت بلقاسم قادرا على نيل شهادة الدكتوراه غير إنّه آثر تلبية نداء الوطن، وقد تبيّن له أنّ دوره في ألمانيا مفيد ومساعد في الثورة الجزائرية، وعندما نالت الجزائر استقلالها كان هدف نيل شهادة الدكتوراه ما زال قائما، غير أنّ الجزائر كانت بحاجة إلى وقفة رجل شجاع للنهوض باللغة العربية من
جديد استكمالا لجهود الشيخين عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي، اللذين أسسا جمعية العلماء
المسلمين الجزائريين مطلع ثلاثينيات القرن الماضي بجهود متواضعة، لم تستطع وقف المدّ الكبير للغة الفرنسية في الجزائر، وقال مولود قاسم متحدّياالفرنكوفونيين، حيث كان يعلم تماما كيف يفكّرون،
فقال لهم: ” إنّ اللغة العربية كانت لغة العالم في يوم من الأيام، وإنّها كانت تقود العقول وتطوّر العلوم “، وكان مدافعا شرسا عن اللغة العربية من خلال إشرافه على المجلس الأعلى للغة العربية، كما أنّه لم يتوان عن الكتابة حول الموضوع، خصوصا في مقاله الشهير المنشور في مجلة ” الثقافة ” الجزائرية، والذي حمل عنوان: ” بجاية الإسلام علّمت أوربا الرياضيات بلغة العروبة ” ، وهو البحث المهم الذي جاء فيه بقيمة مضافة على الصعيد الفكريّ، حين أثبت أنّ اللغة العربية قادرة على استيعاب كل العلوم .يقول الدكتور ” يوغرطة نايت بلقاسم” إنّ أباه كان محبّا للغة العربية ومدافعا كبيرا عنها، وإنّه كان ينعزل وحده في حزن عميق حين تمّ التراجع عن ” قانون التعريب ” عام 1992، وكان قد أحرز تقدّما كبيرا في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، وقد روى عنه ابنه أنّه كان شديدا معأبنائه في دعوته لتعلّم اللغة العربية، فكان أمرهم بالمطالعة حتى عند الحلاق، وقد سأله الكثيرون عن سبب اختيار اسم يوغرطة
الأمازيغي لابنه فقال: ” يوغرطة هو أعظم ملوك الجزائر عبر التاريخ ” ،كما أنّه كان يجيب المشككين بأن له ابنة أخرى سمّاها :” جزائر “.شهادة أصدقائه برهان على نضاله:أنشأ محبو مولود قاسم نايت بلقاسم جمعية تعنى بحماية ما تركه العلامة الراحل من زاد الفكريّ متمثّل في عشرات الكتب والمقلات والدراسات والصور المهمة، التي تؤكّد مساعيه المخلصة في الدفاع عن اللغة العربية، وتردّ على الكتابات المشكّكة في نضاله الكبير رحمه الله، وقد قال فيه صديقه الكاتب أحمد بن نعمانمولود قاسم نايت بلقاسم كان يجيد تسع لغات ولهجات أوروبية محلية،تعلمها بمفرده دون اللجوء إلى المدارس .كان مولود قاسم نايت بلقاسم يحوزمكانة مهمة في الحكومة، كونه مترجما بارعا، تولّى ترجمة كلّ ما يكتب عن الجزائر في الصحف الأوربية، إذ كان يحسن تسع لغات عالمية حتى القديمة منها كاللاتينية، وكان مولود قاسم رجلا عصاميّا تولى تكوين نفسه بنفسه حتّى وصل إلى إتقان هذه اللغات بلهجاتها المحليّة بكلّ طلاقة، وسخّر هذه القدرة في خدمة البلد في فترة الاستعمار وبعد الاستقلال، إلى درجة أنّه كان يشتغل
في بيته ليبقى متابعا لكلّ ما يكتب عن الجزائر .نقل عنه محمد الصغير بلعلام أحد أصدقائه الأوفياء، أنّ مولود قاسم كان يعتبر فكرة ” حوار الديانات ” آخر الأساليب الغربيّة المبتكرة لتنصير الشباب، لأنّ لكل دين خصوصيته وأصوله وقواعده، وقال بلعلام في شهادته التاريخية المميزة أثناء لقاء تكريم الراحل مولود قاسم، أنّ الفقيد قد أقسم بألاّ يوقّع على أيّة وثيقة
جزائرية باللغة الفرنسية، كما أنّه قرّر ألاّ يرد على أيّ بريد يرد إليه إلاّ باللغة العربية، وقال موظفو الوزارة التي كان يقودها أنّه كان صارما في التشديد علىأهمية تشكيل الكلمات العربية باستخدام الآلة
الراقنة لتوصيل المعاني الصحيحة بين الوزارات الحكومية، وقيل إنّه قام بجلب كتب اللغة العربية من دمشق وبغداد وزوّد بها مقرّ حزب جبهة التحرير الوطنيّ لرعاية مشروع تعريب الجامعة الجزائرية،
لكنّه فوجئ باختفائها فيما بعد، فشاهد في دهشة مشروع التعريب وهو يفكّك أمام عينيه دون قدرة على التحرّك لوقف تلك المؤامرة.شهادةأخرى قدّمها المجاهد والمناضل والسياسيّ الكبير عبد الحميد مهري في حقّ مولود قاسم نايت بلقاسم رفيق دربه وزميل دراسته، حيث اعتبرمهري شخصية متعدّدة المواهب، وقال إنّه كان مكسبا للجزائر
حقّا، ذلك أنّ إسهام نايت بلقاسم فباثراء الحياة السياسية بفكره كان بنيّة جمعه رحمه الله بين هدفي الدفاع عن الأصالة والانتماء العربيّ والإسلاميّ وللأمازيغية، والانفتاح على العالم، كماأنّه ساهم في تقديم صورة جميلة عن الجزائر العريقة التي تحافظ على التقاليد وتسعى نحو الحداثة والعصرنة، بمعنى أنّه كان يسعى للمزاوجة بين مسعى ترسيخ قيم الإسلام والعروبة وتوطين الحداثة والتقدّم، وقال عبد الحميد مهري إنّ مولود قاسم نايت بلقاسمكانيكرّس معالم النهضة في ملتقيات الفكرالإسلامي ، معتبرا أنّ من انتقده ذلك الوقت كان يريد أن يلصق به تهمة التشدّد، وهو لم يكن ليألو أيّ جهد في سبيل الوصول إلى ما كان يصبو إليه.
وفاة العلامة مولود قاسم نايت بلقاسم:
في 27 أوت من عام 1992 م ، كانت الجزائر تودع أحد رموزها الكبار مولود قاسم نايت بلقاسم رحمه الله، بعد رحلة طويلة وشاقة قاد فيها معارك ضد من أرادوا تحويل الجزائر إلى مزرعة، ورغم الصعاب والإحباطات اليومية كان مولود قاسم الرجل الثابت على مبادئه الذي أحب الجزائر وقدم لها كل ما يملك، هو الأمازيغي الذي خدم العربية كما لم يخدمها احد قبله ولا بعد، والذي دافع عن الإسلام الصحيح في صورته العصرية والمتفتحة داخليا وخارجيا.

الأمازيغيّ الذي قتله إلغاء قانون التعريب 

 

الشروق تكرم عائلة مولود قاسم نايت بلقاسم بحضور جمع من

العلماء والرفاق

تومي عياد الأحمدي سمير حميطوش دلولة حديدان

نشر في

الشروق اليومي يوم 08 – 09 – 2009

الشروق تكرم المرحوم عبر نجله – تصوير بلال زواوي
يوغرطة نايت بلقاسم للشروق: رأيت والدي في أسوأ حالاته عندما ألغي قانون استعمال اللغة العربية
مولود قاسم هو صاحب فكرة إلياذة الجزائر وهو من زود مفدي زكريا بالمعلومات التاريخية
احتضن فندق الهيلتون سهرة الأحد الماضي حفلا تكريميا معتبرا من تنظيم مؤسسة الشروق، خصت به عائلة المفكر المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم، بحضور نجل الراحل الدكتور يوغرطة وثلة من رفقائه.
*
*
وجمع من غفير من متتبعي مساره والمتأثرين بفكره وبمساره الخصب، يتقدمهم الأستاذ عبد الحميد مهري ورئيسي المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الأعلى للغة العربية.
*
*
* نائب رئيس تحرير الشروق ينشط حفل التكريم
*
*
*
وجاءت هذه المبادرة التي أطلقتها الشروق منذ رمضان الماضي، وكرمت بموجبها أكثر من 20 عالما جزائريا من الذين لايزالون على قيد الحياة يصارعون في صمت وجع النسيان، كان أولهم العالم الشهير الفذ الشيخ عبد الرحمان الجيلالي وآخرهم الأديب العالم صاحب المائة كتاب وكتاب الشيخ محمد الصالح الصديق وفي الأفق تلوح أسماء أخرى سيكون لها حظها في التكريم والإكبار.
*
وها هي ذي مبادرة أخرى شقيقة للأولى تطلقها الشروق مع هذا الشهر الفضيل، وهي تكريم عائلات علماء ومفكرين جزائريين رحلوا، لكنهم تركوا بصمات خالدة في سجل تاريخ الجزائر الزاخر بالإنجازات، ولعل الوزير المرحوم بإذن الله تعالى، المفكر الكبير مولود قاسم نايت بلقاسم يأتي في مقدمة هذه الأسماء، لكونه جمع بين ميزات عدة، قلما تجتمع في شخص، أهمها الجمع بين خصال العالم الجليل والسياسي المحنك، وهو ما بدا جليا خلال فترة استوزاره وطيلة إشرافه على ملتقيات الفكر الإسلامي.
*
وأجمع الذين قدموا شهاداتهم إلى غاية وقت متأخر من الليل على أن الرجل كان مثالا في تواضعه، كفاءته، حنكته وقدرته على التسيير، وهو من الرجال الذين يجب أن تنقل أعمالهم للأجيال، وأن تخصص ملتقيات وأيام دراسية لتدارس أفكاره ومواقفه التي سجلت بأحرف من ذهب، ولعل مبادرة الشروق هذه ستكون فاتحة للاهتمام أكثر بهذه الشخصية الفريدة.
*
*
** كلمة المدير العام لجريدة الشروق
*
“تكريم مولود قاسم هو تكريم للعلم والعلماء”
*
اعتبر المدير العام لجريدة الشروق اليومي السيد علي فضيل في كلمة افتتاحية ألقاها بمناسبة تكريم المفكر الجزائري الراحل مولود بلقاسم نايت بلقاسم ممثلا في عائلته، أن الاحتفاء بهذه الشخصية الوطنية التي نقشت بحروف من ذهب في تاريخ وذاكرة الجزائر هو تكريم لجميع المفكرين والعلماء الذين قدموا وضحوا من أجل الجزائر، وأضاف المدير العام أن التكريم بحد ذاته يعتبر احتفالا بقامة من قامات الفكر الأصيل التي دافعت باستماتة كبيرة على المقومات الحضارية والعربية والإسلامية للجزائر، وقال السيد علي فضيل”إن الشروق اليومي تشرفت باستضافة رفقاء درب المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم من العلماء والمفكرين والأساتذة الذين سيتحفوننا بمختلف الشذرات العبقة من ذكريات هذا الرجل الذي جمع بين الأصالة والمعاصرة وبين العلم ..الإسلام والوطنية.. وستواصل الشروق اليومي مسيرتها الثابتة في نفض الغبار عن كنوز الجزائر من العلماء والمفكرين والرجال قصد تمجيد ذكراهم واستكمال دربهم المضيء في مسار الفكر والمعرفة والتضحية من أجل الجزائر..”
*
* مدير عام الشروق يكرم نجل المرحوم
*
*
** محمد الصغير بن لعلام/ رفيق وصديق للمرحوم
*
أول قرار اتخذه مولود قاسم هو مقاطعة المراسلات بغير اللغة العربية
*
كشف محمد الصغير بن لعلام نائب رئيس مؤسسة مولود قاسم نايت بلقاسم عن دور مولود قاسم في خدمة الجزائر بالاستعانة إلى اللغات التسعة التي كان يجيدها، من خلال التقارير التي كان يقدمها للحكومة ولمختلف الوزارات عن كل ما يكتب عن الجزائر بمختلف اللغات في الصحف الأوروبية، حيث كان مولود قاسم “شخصية متعددة الجوانب متسعة الأفق كثيرة المراجع لم أرى في حياتي من يقرأ مثله، شنطته دوما ممتلئة بالصحف الأوروبية ويقرأها في الليل”.
*
وأكد بن لعلام أن مولود قاسم تكوّن عصاميا في اللغات وهو ابن الفلاح العباسي القبائلي، وأصبح يتقن أغلب اللغات حتى القديمة منها اللاتينية وتعلمها لوحده ولم يدخل من أجلها المدارس، مضيفا أن شخصيته وطنية حتى النخاع وسماه ب “بلقاسم الوطني”، وقال أن “الجزائر كانت أنفاسه وحياته وماضيه ومستقبله لاشيء في الدنيا ذو قيمة دون الجزائر“، مضيفا “فخور بأجداده البرابرة الأمازيع وآل حماد وآل زياد وبن باديس والإبراهيمي”.
*
وأفاد بن لعلام أن مولود قاسم ظل يؤكد على أن حوار الديانات آخر أسلوب ابتكر لتنصير الشباب المسلم، معتبرا بأن لكل دين قواعده وأصوله ولا يمكن أن يكون حوار بين الديانات، والحقيقة أن الحوار يكون بين الحضارات.
*
وأكد المتحدث بأن أول قرار اتخذه نايت بلقاسم حين تعيينه كوزير، سنة 1970، أن لا يمضي أية وثيقة بالفرنسية، أما القرار الثاني فلا يرد ولا يقرأ أي بريد باللغة الأجنبية مهما كان مصدر الرسالة، ولم يتزعزع أو يتنازل رغم تدخل الرئيس بومدين، وقال بن لعلام “للتخفيف عن المؤسسات الرسمية اشترينا آلات راقنة وأصبحنا نشكل للوزارات والمؤسسات الحكومية”.
*
*
** مولود قاسم نايت بلقاسم أو الوطنية في شكلها الأسطوري
*
في مارس 1992 قال مولود قاسم نايت بلقاسم لأحد مساعديه وهو في قمة الإحباط “لقد انتهى عهدي ودوري”، كانت مناسبة الحديث قرار المجلس الانتقالي تجميد قانون تعميم استعمال اللغة العربية، وفي نفس الأثناء بلغه خبر اختفاء كتب علمية باللغة العربية من مقر جبهة التحرير، كان أشرف شخصيا على جلبها من سوريا والعراق في إطار تعريب الجامعة، ذكّره الموضوع بصدمة أخرى عاشها حين رأى مشروعه للتعليم الأصلي يتفكك وينهار أمامه وهو عاجز عن انقاذه تسببت الصدمة والذكرى في مضاعفة المرض عليه ثم توفي في نهاية أوت من ذلك العام.
*
*
يقول الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، إن مولود الذي ولد في جانفي 1927 جاء كاستجابة من الله تعالى لدعاء والده الذي كان يسأل الله دوما أن يرزقه بابن يكون فقيها في دينه، فمنّ الله علية بولدين من الدعاة إلى الله كان مولود قاسم أحدهما.
*
بدأ مولود نايت بلقاسم مشواره الدراسي من مسجد قريته، بلعيال بايت عباس، التابعة إداريا لبلدية إقبو، ثم واصل مشواره الدراسي في تونس، حيث التحق بجامعة الزيتونة التي التحق بها سنة 1946.
*
في تلك السنة التحق بحزب الشعب ثم في 1947 وبعد أربع سنوات التحق بالقاهرة الأول في دفعته، ثم في 1954 التحق بجامعة باريس وسجل للدكتوراه حول بحث اسمه »الحرية عند المعتزلة« ولكن في سنة 1956 تخلى عن المشروع استجابة لنداء الإضراب الذي دعا إليه اتحاد الطلبة المسلمين، ثم اضطرته مضايقات الشرطة الفرنسية إلى مغادرة التراب الفرنسي وتوجه إلى التشيك، حيث سجل مرة أخرى بحثا للدكتوراه حول »الحرية عند كانط«، لكن الوطن ناداه مرة أخرى فأسرع للتلبية وترك بحثه واتجه إلى ألمانيا… ثم طلبه سعد دحلب أثناء مفاوضات إيفيان وكلفه بإعداد رد على المفاوض الفرنسي جوكس الذي كان يصرّ على أن الصحراء لا علاقة لها بالجزائر… ثم بعد الاستقلال شغل ملود قاسم عدة مناصب أثبت في كل منها ولاءه لهذا الوطن وحقق في كل موقع نجاحات باهرة جلبت له عدة خصومات، لكن لم يعرف أنه استسلم في اي مرحلة من نضاله… خلال الثورة التحريرية ضحى مولود قاسم بطموح شخصي جامح تمثل في الحصول على الدكتوراه التي طرق أبوابها أكثر من مرة، لكن هجرته إلى ألمانيا حرمته نهائيا من هذا الهدف. وبعد الاستقلال، عاد سي مولود إلى أرض الوطن وجلب إلى بيته في العاصمة 8 أبناء لأخيه ليمكثوا معه في البيت.
*
*
رجل التعريب الذي اتخذه القوميون عدوّا
*
كان من حق مولود قاسم بعد الاستقلال أن يخلد إلى الراحة أو يلتفت إلى مصالحه الشخصية التي ضحّى بها من أجل العمل الثوري، لكن الأوضاع في البلاد لم تسمح له بذلك، فهبّ لإحياء مقوّمات الأمة الجزائرية دينا ولغة ومجدا، الذي يطلع على جهاد وجهود مولود قاسم من أجل التعريب يصعب عليه أن يعرف بأن الرجل يتقن 9 لغات عالمية ويؤكد المؤرخ يحي بوعزيز »كان المرحوم مولود قاسم…
*
*
حريصا كل الحرص على أن تستعيد اللغة العربية مكانتها ومركزها« ورغم انخراطه في التعريب أكثر من غيره، إلا أنه ظل رافضا لكل النظريات الفكرية القومية والبعثية التي أرادت أن تجعل من اللغة دينا، وروي عن مولود قاسم أنه سُئل عن القومية فقال أضيفوا نقطة فوق القاف، ولما سألت الدكتور أحمد بن نعمان عن هذا الأمر، قال لي إن مولود قاسم كان جزائريا وكفى وكان يدافع عن اللغة الوطنية، ومعنى هذا الكلام أنه لو اختيرت لغة أخرى لتكون لغة وطنية لدافع عنها مولود، لكن لم أجد في تصريحات مولود قاسم ما يشير إلى هذا، بل بالعكس كان دائما يدافع عن اللغة العربية الني قال عنها أكثر من مرة إنها لغة قادت العالم من قبل، وأعرب عن أمله بل عمل من أجل أن تعود إلى القيادة، وفي الواقع قلما نجد واحدا من دعاة التعريب قام بجهود تتفوق على جهود مولود بل كل أعماله تدل على أن الرجل كان مقتنعا بما يقول ويفعل، من أهم أعماله في هذا المجال »بجاية الإسلام علّمت أوروبا الرياضيات بلغة العروبة« وهو عمل أثبت فيه أن اللغة العربية قادرة على استيعاب كل العلوم.
*
*
الجزائر في فكر قاسم
*
ولعل من بين النقاط الفكرية التي خالف فيها مولود قاسم غيره، هو تاريخ الجزائر وبدايتها. ففي الوقت الذي ذهب البعض إلى اعتبار استقلال البلاد بداية لقيامالجزائر وقال آخرون إن الفتح الإسلامي أو وصول العرب إلى الجزائر هو بدايتها في تلك الأثناء، خرج مولود قاسم على الناس ببحث تاريخي أسماه »شخصيةالجزائر الدولية قبل 1830« عاد فيه إلى الأصول القديمة لهذه الأمة التي كان لها دوما دور في التاريخ..، وحين قال الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان للرئيس الراحل هواري بومدين »فرنسا التاريخية تمد يدها للجزائر الفتية«، غضب قاسم وقال للرئيس بومدين »إنه يشتمنا«، كما أسهم من خلال ملتقيات الفكر الإسلامي على بإبراز ماضي الجزائر وإسهامها في الحضارة الإسلامية.
*
*
يوغرطة… مفخرة مولود ومصدر مشاكله
*
في أبحاثه التاريخية، وصل مولود قاسم إلى عدد من أمجاد الأمة الجزائرية وكان منهم الملك يوغرطة، ولشدة إعجابه به وبدوره اختار أن يكون هذا الملك ملف العدد الأول من مجلة الأصالة التي أصدرها حين كان وزيرا للشؤون الدينية، وقد سبب له هذا الملف بعض المتاعب كان بعضها بحسن نية وبعضها الآخر لحاجات في نفوس أصحابها، لقد اعتبر مولود قاسم أن يوغرطة هو واحد من أهم أبطال الجزائر الذين لا يمكن ان نتخلى عنهم واعتبر الاعتزاز بهم لا يناقض الإنتماء إلى الإسلام. وفي كتابه »شخصية الجزائر«، قال نايت بلقاسم إن كفاح الأبطال السابقين هم مصدر فخر زمن الشدة. تأثر مولود قاسم بيوغرطة فاختار أن يمنح اسمه لإبنه البكر، ولما سُئل عن سبب الاختيار قال: »إنه أعظم ملك في تاريخ الجزائر«. ويروي الأستاذ محمد الهادي الحسني، في مقال نشره تحت عنوان »للتاريخ«، روى الانزعاج الذي ظهر لدى كثير من المتتبعين لقطاع الشؤون الدينية وهو واحد منهم ولكنه أكد أن اطلاعه على محتوى المجلة وافتتاحية مولود قاسم أطفأت الغضب الذي كان. ويذكر عثمان شبوب مدير الأصالة، آنذاك، أن موضوع الغلاف أثار حساسية كبيرة حتى الرئاسة استفسرت عن سبب الاختيار، ولم يستسلم مولود قاسم طوال حياته لأي مضايقات…
*
*
عزيمة وعزة نفس
*
ومن المهم هنا الإشارة إلى مواقف جمع فيها مولود قاسم بين العزيمة وعزة النفس، دفعته إلى حد أن قال للرئيس بومدين بعد خلاف بينهما، »أفضل أن أكون بوابا فيالسويد على أن أكون وزيرا في حكومة ضعيفة« وكذلك فعل في حدود سنة 71 حينما ذهب في زيارة إلى روسيا ولما وصل إلى المطار، علم أن في استقباله إطار في وزارة الخارجية، فرفض النزول من الطائرة وعاد إلى الجزائر وبرر موقفه بأنه لو نزل من الطائرة واستقبله إطار عادي لكان ذلك انتقاصا من قيمة الجزائر. وقال للروس إنه »لن يدخل بلادهم إلا إذا جاء لاستقباله شخص في مرتبة وزير« ولما عاد إلى الجزائر قدم استقالة إلى الرئيس بومدين، لكنه رفضها…
*
*
*
التعليم الأصلي، الجامعة الإسلامية وتعميم اللغة العربية… مقاتل أصيب فيها مولود
*
في عزّ فرحة مولود قاسم بنجاح التعليم الأصلي وتفوق طلبته على تلاميذ المدارس الأخرى العادية، جاء الميثاق الوطني ليعلن »أما التعليم الأصلي فيجب إلغاؤه في أسرع الآجال«. وقال كل الذين عايشوا الفترة، إن مولود قاسم، بالإضافة إلى الصدمة التي تلقاها، إلا أنه ظل إلى آخر نفس يحاول إنقاذ المشروع، ولكن »لم يؤيدني إلا عبد المالك بن حبيلس وزير العدل آنذاك«، فتفكك المشروع بين يديه،
*
ومنذ مغادرته الوزارة لم يفتح أي مركز جديد لتكوين الأئمة. وبقيت الجامعة الإسلامية مجرد كلية كبيرة لتدريس العلوم الدينية التقليدية.
*
ثم جاء قرار المجلس الاستشارى الانتقالي الذي قرر تجميد تعميم استعمال اللغة العربية، ليضاعف آلام مولود قاسم الذي رأى إنجازاته تتفكك أمامه دون أن يقدر على شيء…
*
*
اجتهاد ونكران للذات
*
عندما سألت أصدقاء مولود قاسم خلال الأيام الماضية أن يزودوني بصور فوتوغرافية جمعتهم بالراحل، فوجئت بأن أغلبهم لا يملك صورا من هذا النوع، إلا ما التقط لهم وهم جالسون أمام الراحل خلال الملتقيات والندوات الفكرية، وهو أحد المظاهر التي تبرز جدية الرجل الذي خاض كل الميادين وجهر بمواقفه، في نفس الوقت لم يهتم بمصالحه الشخصية. ففي وقت الثورة فرّط في دراسته وفي الاستقلال قال الدكتور بوعلام بن حمودة إنه اضطر لأن يقنعه ويساعده على استرجاع اسمه الثوري من أجل الحفاظ على مصالحه الاجتماعية…
*
قيل 17 عاما، مات مولود قاسم نايت بلقاسم، الموتة التي كتبها الله له ووري جثمانه الثرى مخلفا وراءه آثارا سوف لن تسمح له بمغادرتنا حتى ولو أراد، لأنه الرجل الذي خدم دينه ولغته ووطنه بشكل أسطوري.
*
*
** عبد الحميد مهري / رفيق المرحوم
*
مولود قاسم شخصية متعددة الجوانب، المواهب والمكاسب
*
أكد، عبد الحميد مهري، رئيس مؤسسة مولود قاسم نايت بلقاسم بأن ذكر رفيق دربه وزميل دراسته مولود قاسم هو ذكر جيل بكامله، حيث جمع فضل النضال في الحركة العصرية “ويمثل نقلة نوعية بين الانتماء للأصالة والتفتح على العالم”، موضحا بأن عمل نايت بلقاسم في المجتمع كان يهدف إلى إحداث نقطة توازن بين التمسك بالأصالة والتفتح على العصر والعالم الحديث، وجعل الجزائر في موقعها الصحيح بين العراقة والتقاليد والعصرنة.
*
ودعا مهري، خلال حفل تكريم عائلة مولود قاسم، إلى مواصلة بادرة الخير لنفض الغبار عن الماضي البعيد، وأفاد أن الاهتمام بشخصية مولد قاسم يشمل كل معالم التفتح والفكر الأصيل والعراقة، وهي الثوابت التي جعلت، بحسب مهري، الجزائر تسهم بثورتها في قلب موازين القوى بالبحر المتوسط، ودفعت مجموعة من الدول الإفريقية لإحداث سلسلة من الاستقلال لكل منها بعد سنة 1960، وقال مهري بأن الرجل الفقيد كان يكرس معالم النهضة في ملتقيات الفكر الإسلامي، وجزءا آخرا من نضاله في سبيل التفتح ونهج الحداثة واللجوء إلى العقل لفهم الماضي والحاضر.
*
وأفاد المتحدث بأن خلاصة فكر نايت بلقاسم هو استدراك الفجوة لدى الشعوب العربية الإسلامية عامة والجزائر بشكل خاص، وهي معضلة توطين الحداثة وترسيخ الأصالة والإسلام والعروبة، وقال مهري “إننا أمام شخصية متعددة الجوانب والمواهب والمكاسب”.
*
وقال مهري بأن الذين كانوا لا يعرفون نايت بلقاسم في جانبه الأصيل يضعونه في خانة المتشدّدين، وآخرون يعتبرونه محدث من المحدثين لا أصالة له، لكن منهاجه البحث عن الفكر الأصيل بالمقومات العربية والأمازيغية والتفتح على العصر.
*
*
** الشيخ محمد الطاهر آيت علجت/ شيخ المرحوم
*
“حيّر فرنسا وهو في السادسة عشرة من عمره”
*
ذكر الشيخ محمد الطاهر آيت علجت أن معرفته بالراحل مولود قاسم نايت بلقاسم كانت قديمة منذ أن كان يافعا وكان والده صديقا له، لأن سكناتهما كانت متقاربة، وكان أبوه تاجرا يجالس العلماء ويحبهم ويتمنى أن يكون ولده عالما مثله مثل والد الغزالي الذي رزقه الله بحجة الإسلام.
*
وعلّم ابنه في قريته حتى تعلّم القراءة والكتابة ثم ذهب به إلى المدرسة الفرنسية إلى قرية بني عباس، حيث كانت أول مدرسة في بلاد القبائل اسماها ابن باديس بالقلعة، ولم يستطع مواصلة تعليمه هناك لعدم وجود مكان يستقر به واضطر للانتقال إلى ذويه بقرية تامقران وهناك تسنت لي معرفته.
*
وقال الشيخ آيت علجت أن مولود قاسم نايت بلقاسم كان قوي الذاكرة والحافظة، يحافظ على وقته لا يضيّع منه دقيقة واحدة، يسعى دائما لمخالطة من هم أكبر منه سنا وعلما ومن جملتهم الربيع يعلاوي.
*
أبى الذهاب لآداء الخدمة العسكرية أو أن يعمل في هذا المجال، واختفى بإحدى الزواية واشتغل بحفظ القرآن الكريم والدروس والتفاسير.
*
*
** أحمد بن نعمان، كاتب وصديق المرحوم
*
“مولود قاسم كان أمة يتقن 09 لغات بلهجاتها المحلية”
*
أكد الكاتب أحمد بن نعمان أن الراحل مولود قاسم نايت بلقاسم كان يجيد 09 لغات ولهجات أوروبية محلية، تعلمها بمفرده دون اللجوء إلى المدارس، وأضاف “عرفت مولود قاسم فردا في أمة، وفارقته وهو أمة في فرد، لقد كان شخصية عبقرية فريدة من نوعها جمعت بين العلم والأصالة والحكمة، كان يدافع عن الإسلام والعربية بشراسة منقطعة النظير، وكان ينفق 99 بالمائة من وقته في المطالعة والمعرفة، لدرجة أني كنت أشفق عليه.. لقد استطاع من خلال معرفته المدهشة باللغات خدمة القضية الجزائرية في العديد من الدول الأوروبية، أين كتبت الكثير من الصحف عن الثورة وبطولات الشعب الجزائري.
*
وذكر الدكتور بعض المواقف المؤثرة للراحل الذي كان يعيش مسكونا باللغة العربية وقضايا الأمة.
*
*
** الشيخ بوعمران/ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى
*
“سفري مع المرحوم جعلني أقف على عظمة الرجل”
*
ذكر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ أبوعمران في منتدى تكريم نجل الفقيد مولود قاسم نايت بلقاسم، أن ميزة الرجل ثقافته الواسعة وخبرته في عدة لغات، ولما سمع عن إتقانه للغات الأجنبية، تساءل الشيخ بوعمران عن عددها فقيل له أنها 4 أو 5 لغات، لكن عندما سافر معه إلى إسبانيا اكتشف أنه يتقن أكثر من ذلك.
*
وروى بوعمران الواقعة أنه كان هناك ملتقى في قرطبة، زاروا فيه المسجد العظيم هناك، وقمت أنا بزيارة مكتبات وجدت فيها معاجم للعربية والإسبانية، ولما عدت إلى الفندق أخبرته عنها، فألحّ علي أن أدله على مكانها، وعلى الرغم من أننا لم نكن نمتلك سعر تلك المعاجم، إلا أنه أصرّ على شرائها وعاودنا الرجوع إلى الجزائر، حيث دفعت الوزارة حينها تكاليف الرحلة.
*
*
*
*
** الدكتور يوغرطة نجل المرحوم نايت بلقاسم
*
“الشروق أثلجت صدورنا وبعثت ذكرى والدي من جديد”
*
أبدى ابن المفكر الجزائري مولود قاسم نايت بلقاسم الدكتور يوغرطة سعادته البالغة بتكريم والده من طرف جريدة الشروق اليومي معتبرا هذا الحدث بمثابة إعادة بعث لأفكار وذكريات والده بعد 17 سنة من وفاته، وقال يوغورطة الذي جاء خصيصا من باريس لحضور الوقفة التكريمية، وعلامات التأثر بادية على محياه “تكريم الشروق لوالدي أثلج صدر جميع أفراد العائلة، وسأتحدث اليوم عن والدي من باب الرعاية والتأديب، فقد كان قلبه يحتوي اعتزازا كبيرا للإسلام والعربية التي ربانا عليها منذ الصغر، وعلمنا أن نفتخر بالامتداد التاريخي للجزائر، ولهذا سماني باسم أحد أبرز رموزها التاريخية وهو يوغرطة الذي وضع صورته في مجلة الأصالة التي أسسها للدفاع عن المقومات الحضارية للجزائر.. أشكر كل من حضر في هذا التكريم من أساتذة والدي ورفقاء دربه، كما أجدد شكري الخالص لجريدة الشروق اليومي التي فرحت لها كثيرا بسحبها 800 ألف نسخة، وهذا ماأعتبره مفخرة للإعلام الجزائري الأصيل ..”
*
** يوغرطة‮ نايت‮ بلقاسم‮ ل‮ “‬الشروق‮”:‬
‬فخور‮ بأني‮ ابن‮ مولود‮ قاسم‮ ولم‮ أفكر‮ يوما‮ في‮ ممارسة‮ السياسة
*
‮*‬ أبي‮ كان‮ يلزمنا‮ بالمطالعة‮ حتى‮ عند‮ الحلاق
‮*‬ أصعب‮ وضع‮ رأيت‮ فيه‮ والدي‮ حين‮ ألغي‮ قانون‮ تعميم‮ استعمال‮ اللغة‮ العربية
*
* نجل المرحوم يلبس برنوس الشروق
*
على‮ هامش‮ الندوة‮ التكريمية‮ لمولود‮ قاسم‮ نايت‮ بلقاسم‮ كانت‮ لنا‮ هذه‮ الدردشة‮ مع‮ نجله‮ يوغرطة‮ الذي‮ حدثنا‮ عن‮ الحياة‮ الأخرى‮ للمفكر‮ الراحل‮..‬
*
‮* اسمك‮ يوغرطة‮ نايت‮ بلقاسم‮ متخصص‮ في‮ العلوم‮ الطبية‮ ومقيم‮ في‮ فرنسا،‮ أي‮ هذه‮ الأمور‮ تفتخر‮ بها؟
**‬أعتز‮ أني‮ ابن‮ مولود‮ قاسم‮ نايت‮ بلقاسم‮ وأريد‮ أن‮ أضيف‮ أن‮ إقامتي‮ في‮ فرنسا‮ هي‮ مؤقتة‮ لغرض‮ مواصلة‮ الدراسات‮ العليا‮ وأنا‮ الآن‮ متربص‮ في‮ تخصص‮ الصور‮ الطبية‮.‬
*
‮*‬مولود‮ قاسم‮ بذل‮ حياته‮ كلها‮ في‮ خدمة‮ اللغة‮ العربية‮ ثم‮ اختار‮ لابنه‮ اسم‮ بربري‮ موغل‮ في‮ القدم،‮ هل‮ تحدثت‮ معه‮ في‮ هذا‮ الموضوع؟
**‬هذا‮ الموضوع‮ سئل‮ عنه‮ كثيرا‮ وكان‮ من‮ الذين‮ سألوه‮ إطار‮ سامي‮ في‮ الدولة،‮ سأله‮ عن‮ خلفيات‮ التسمية‮ حين‮ ولدت،‮ فقال‮ له‮ أبي‮ “‬يوغرطة‮ هو‮ أعظم‮ ملوك‮ الجزائر‮ عبر‮ التاريخ‮”‬
*
* وأنت‮ هل‮ شعرت‮ يوما‮ بإحراج‮ من‮ هذا‮ الاسم؟
**‬أبدا،‮ هذا‮ اسم‮ جزائري‮ أمازيغي‮ وأنا‮ أعتبر‮ نفسي‮.. بل‮ أنا‮ أمازيغي‮..‬
*
‮*‬دراستك‮ للعلوم‮ الطبية‮.. هل‮ كانت‮ رغبتك‮ أم‮ توجيه‮ من‮ الوالد؟
**اجتمع فيها الأمران، لكن أرجح أن أمنية الوالد كانت أكثر من رغبتي، رغم أنه لم يفرض علي ذلك، إلا أنني كنت دائما أحس أنه كان يتمنى أن أكون طبيبا، ويوم اخترت دراسة العلوم الطبية أحسست بأني أرضيته أحسست بأنه راضي رغم أن القرار كان قراري.
*
‮*‬قلت‮ أن‮ الاختيار‮ كان‮ أمنية‮ الوالد‮ أكثر‮ منه‮ أمنيتك،‮ ماذا‮ كنت‮ تتمنى‮ أنت‮ أن‮ تدرس؟
**‬أنا‮ كنت‮ طالبا‮ في‮ الفرع‮ العلمي‮ فاخترت‮ الطب،‮ وأنا‮ راضي‮ عن‮ اختياري،‮ ولكني‮ سعيد‮ لأن‮ اختياري‮ أرضى‮ الوالد‮..‬
*
‮*‬‬مولود‮ قاسم‮ كانت‮ له‮ اهتمامات‮ وهموم‮ كبيرة‮ تتجاوز‮ حدود‮ العائلة‮ والقبيلة‮ بل‮ حدود‮ الوطن،‮ هل‮ أحسست‮ يوما‮ أن‮ ذلك‮ كان‮ على‮ حسابك‮ كابن‮ لهذا‮ الرجل؟
**كان أبي يتغيّب عن البيت، خاصة خلال إشرافه على المجلس الأعلى للغة العربية – يوغرطة ولد سنة 1971 ولم يعش مع والده تجربة التعليم الأصلي والمعارك الأخرى – كان يذهب بشكل دوري إلى الولايات ويراقب ويتابع عملية التعريب، لكن كان يتابع أمورنا خاصة الدراسية منها، وكان‮ نادرا‮ ما‮ يغيب‮ عن‮ لقاءات‮ الأساتذة‮ والأولياء‮ وكان‮ يراقبنا‮ في‮ البيت‮.‬
*
‮* مولود‮ قاسم‮ في‮ الوزارة‮ والعمل‮ كان‮ جادا‮ وصارما،‮ كيف‮ كانت‮ تصرفاته‮ في‮ البيت؟
** كان ضحوكا وكثير المزاح وكان يغضب فقط إن يرى في كشف النقاط علامات لم يكن يرغب في رؤيتها، في تلك الحالات كان يتغيّر وينقلب، وأنا أتذكر كيف كان يداعب أختي الصغيرة “جزائر” ويلعب معها، وكان يحب النكت وأكل طعام القرية..
*
*هل‮ تذكر‮ أنه‮ غضب‮ منك‮ في‮ يوم‮ من‮ الأيام؟
(بعد ضحك وتفكير) في الحقيقة لم أكن أرتكب أشياء تغضبه، كنت أعرف أنه يغضبه أن يجدنا نلعب في الخارج، وكان يحب أن يجدنا نقرأ، وأذكر أنه كان يأخذنا إلى الحلاق، ونأخذ معنا كتبا للمطالعة، كان الناس يتحدثون ونحن ملزمون بالقراءة.. أما الغضب أنا أتذكر أنه ذات مرة‮ فاجأني‮ بكراس‮ لغة‮ أجنبية،‮ لا‮ أتذكر‮ تماما‮ إذا‮ كان‮ كراس‮ الفرنسية‮ أو‮ الإنجليزية،‮ وطرح‮ علي‮ أسئلة‮ لم‮ أجب‮ عن‮ جميعها‮ فغضب‮ وقال‮ لي‮ أغرب‮ عني‮.
*
* مولود‮ قاسم‮ كان‮ سياسيا‮ وله‮ خصومات‮ مع‮ أشخاص‮ ومشاكل‮ كيف‮ كان‮ يتحدث‮ عنها‮ في‮ البيت؟
** لم‮ يكن‮ يتحدث‮ عن‮ هذه‮ الأمور‮ في‮ البيت،‮ عندما‮ توفي‮ كنت‮ في‮ سن‮ ال21‮ سنة،‮ وبالتالي‮ لم‮ أكن‮ أعرف‮ عن‮ مشاكله‮ شيء‮ وإلى‮ الآن‮ أنا‮ أطرح‮ أسئلة‮ لم‮ أجد‮ إجابة‮ عنها‮..‬
*
* ماهي‮ طموحاتك‮ السياسية؟
**‬لم‮ أفكر‮ في‮ السياسة‮.‬
*
‮*‬لم‮ تجد‮ فرصة‮ أم‮ تعتبر‮ نفسك‮ غير‮ معني؟
**‬ربما‮ تخصصي‮ العلمي‮ لم‮ يترك‮ لي‮ فرصة‮ التفكير‮ في‮ الموضوع‮.‬
‮* مولود‮ قاسم‮ كان‮ مرشح‮ لدراسة‮ الطيران‮ هل‮ حدثك‮ عن‮ الموضوع؟
** لم‮ يحدثني‮ لكني‮ حاولت‮ مرارا‮ أن‮ أتصور‮ مرتديا‮ لباس‮ الطيارين‮ وجالس‮ في‮ طائرة‮ حربية‮..‬
*
* ما‮ هي‮ أهم‮ لحظة‮ حرجة‮ عشتها‮ مع‮ والدك؟
** رأيته‮ محطما‮ حين‮ ألغي‮ قانون‮ تعميم‮ استعمال‮ اللغة‮ العربية،‮ وقيل‮ لي‮ أنه‮ عاش‮ معنويات‮ مشابهة‮ حين‮ ألغي‮ التعليم‮ الأصلي‮.‬
*
*في‮ حالات‮ التعب‮ ما‮ الذي‮ كان‮ يسلي‮ عنه؟
** الذهاب‮ إلى‮ القرية‮ في‮ نهاية‮ الأسبوع‮.
*
*
* ضيوف حفل التكريم / تصوير بلال زواوي

لغة الأنانيش بقلم عمار يزلي

عندما أقدم الرئيس السابق اليامين زروال، على التحضير لتمرير قانون التعريب، وكان يعمل دوما في هذا الاتجاه، جنبا إلى جنب مع مقاومة الإرهاب والعنف بالعنف، ولكن أيضا بالحوار ولو كان محدودا، كنا نأمل أن تكمل البلاد مسارها نحو تحقيق الهوية العربية الأمازيغية، ولكن ليس العربية الفرنسية! أشياء كثيرة حدثت بعد زوال سياسة زروال، وعادت الفرنسية من الباب الواسع مع أول عهدة للرئيس بوتفليقة، عملا منه على ربح ود الفرنسيين وفرنسا المتورطة في العنف في الجزائر، لشراء مواقف، غير المواقف التي كنّا فيها في أتم الحاجة إلى وقفة كبيرة تجاة المسخ الهوياتي، الذي يتجذر يوما بعد يوم، حتى أني أخشى على الجيل المقبل أن يتحول إلى جيل “أنانيش”.

عادت الفرنسية وبقوة، في الشارع والإدارة، وصارت لغة “الغاء”، لغة المرور ولغة الضاد هي لغة المحڤور.

اللغة الفرنسية عادت هي لغة التعامل والتظاهر وحتى النصب والاحتيال، حتى أنك تجبر على تغيير جنسيتك بمجرد الدخول إلى إحدى المؤسسات الإدارية أو الاقتصادية، أو حتى وأنت تمشي في الشارع أو تدخل فندقا أو متجرا “لاكلاص”.

اللغة الفرنسية تحولت إلى عنوان للتقدم والتحضّر والتعلّم، حتى ولو كان المتحدث بها يكسرها “تكسيرة” ويخبزها “خبيزة”.

أعرف طبيبا بإحدى مدن الجنوب، جاءه مريض (أستاذ علوم في المتوسط!)، مستواه في الفرنسية كمستوى جدتي. الطبيب وصف له “قائمة حرة” (لا تقوم له بعدها قائمة)، تترأس القائمة سيدة يقال لها “شمعة” (سيبوزيطوار). الطبيب أفهم الرجل بالعربية: “عندك شمعة واحدة في الليل”، لكن أستاذ العلوم، ولكي يفهم الطبيب أنه يعرف الفرنسية، وأنه يفقه في لغة الأطباء والأدوية وبالفرنسية، راح يسأله: “دكتور، قلت لي بللي هذا “ليبوجي”، ندير وحدة منهم برك؟؟”. (حسب روحه موبيلات).

آخر، جاء إلى نفس الطبيب وقد أصيب بألم في الرقبة نتيجة سوء نوم (تورتيكولي، بالفرنسية)، ليقول له: “يا دكتور، عنقي راه يوجعني. البارح في الليل درت “فوص كوش”. رجل آخر راح يضع إصبعه على مكان الألم: “لا لا، هنا دكتور، في هذا البلاص، هنا، “جيست” فوق Les ovaires .”، آخر جاء لطبيب وقال له: “عندي الغاز في ليسطوما، “وl_eau” في les poumons!..ما كان على الطبيب إلا أن قال له: يخصك غير تريسيتي وتوللي appartement!.

حكايات كثيرة من هذا القبيل، فقط ليقال عناّ أننا نعرف الفرنسية، لأنه من لا عرف الفرنسية أو يكسرها ولا يتقنها ليس جزائريا!

المؤتمر الدولي الثالث للغة العربية

يعلن

المجلس الدولي للغة العربية بالتعاون مع منظمة اليونسكو

ومكتب التربية العربي لدول الخليج والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم واتحاد الجامعات العربية

عن

المؤتمر الدولي الثالث للغة العربية

تحت عنوان

الاستثمار فى اللغة العربية ومستقبلها الوطنى والعربي والدولي

وذلك خلال الفترة من 7 الى 10 مايو 2014 الموافق 8- 11 رجب 1435هـ في دبي دولة الإمارات العربية المتحدة

نتمنا منكم المشاركة و دعوة المهتمين بالمؤتمر لانه يجب علينا توحيد الجهود اذا اردنا النهوض بلغتنا

حضوركم هام جدا جدا جدا

للحصول على كافة البيانات والمعلومات ومحاور المؤتمر يرجى الدخول على الموقع التالي :

المجلس الدولي للغة العربية

www.alarabiah.org

او على موقع صحفية اللغة العربية التابع للمجلس الدولي للغة العربية

http://www.arabiclanguageic.org/

او طلبها عبر البريد الالكتروني

almajless@live.com

ملحقات :

مطوية المؤتمر

التعليمات الحضور والمشاركة في المؤتمر

نموذج التسجيل [ملف ورد للملء] 

لمراسة المجلس الدولي للغة العربية 

العنوان صندوق بريد:11-6888 – بيروت – لبنان
الهاتف 00961 1 36 46 11
الفاكس 00961 1 36 46 03
البريد info@alarabiah.org

مساهمة الجزائر في المحتوى الرقمي العربي 0.3 بالمئة..!!

كشف عز الدين ميهوبي أن المجلس الأعلى للغة العربية سيرفع تقريره السنوي لرئيس الجمهورية لاطلاعه على الوضع الذي عليه اللغة، مبرزا تواصل المجلس مع مختلف الهيئات من خلال التقارير  الخاصة بمدى تطبيق و تعميم استعمال اللغة العربية في المؤسسات والهيئات التي تعمل بالتنسيق مع المجلس في المجالات التقنية للذهاب باللغة العربية إلى أفضل مستوياتها أداء واصطلاحا.

وأضاف عز الدين ميهوبي رئيس المجلس الأعلى للغة العربية خلال استضافته هذا أمس في برنامج ” ضيف الصباح” بالقناة الإذاعية الأولى أن الجزائر البلد الوحيد في الوطن العربي الذي يمنح اللغة اهتماما خاصا و ذلك من خلال الثلاث هيئات التي تعنى باللغة و هي المجلس الأعلى للغة العربية والمحافظة السامية للغة الأمازيغية و المجمع الجزائري للغة العربية، في حين اكتفت الدول العربية الأخرى  بمجمع ذو الجانب العلمي الأكاديمي.

وأشار ميهوبي إلى أن المحتوى الرقمي العربي لا يتجاوز 3 بالمائة و الجزائر لا تشكل فيه إلا 0.3 بالمائة و هو رقم مخيف و المجلس يعول على الشباب الجامعي الجاهز لأن يخوض الرهان و يكسب التحدي في تمكين الجزائر من أن يكون لها حضور في شبكة الانترنت من حيث المضامين بالمساهمة في المشترك الإنساني.

وقال ذات المتحدث إن الجزائر تشارك في الملتقى العالمي حول “محراب اللغة العربية” بتونس لعرض خبرتها في خدمة اللغة العربية ، مذكرا بأن اليونسكو اختارت يوم 18 ديسمبر يوما عالميا للغة العربية و هي واحدة من 06 لغات معتمدة في الأمم المتحدة وهناك أزيد من 450 مليون نسمة ناطقة بها ، مشبها الحراك اللغوي في العالم بالحروب اللغوية غير المعلنة.

80 بالمائة من الجامعيين لا يتقنون التكلم والتعبير بالعربية

كشفت دراسة حديثة شملت تسعة آلاف طالب من مختلف المعاهد والجامعات الجزائرية، أن 80 من المائة من الجامعيين لا يتقنون التكلم والتعبير باللغة العربية “الفصحى”. وهذا بعد الوقوف على عدد كبير من الأخطاء اللغوية التي ارتكبها الطلبة أثناء عرضهم لأطروحات الماجستير والدكتوراه والبحوث السنوية. وبيّنت الدراسة استعمال الطلبة لعدد كبير من المصطلحات الفرنسية “التقنية” والعبارات العامية في بحوثهم، ما جعل لغة الجامعيين تتحول إلى لغة هجينة وخليط من المصطلحات المحلية والأجنبية والعربية، إلى درجة تحولت فيها لغة الجزائريين إلى لغة غير مفهومة لدى العديد من الشعوب العربية.

 

وفي هذا الإطار، أكد القائم على هذه الدراسة الدكتور خالد عبد السلام، أستاذ محاضر بجامعة سطيف، في تصريح لـ “االشروق”، أن غالبية الطلبة لا يتقنون الحديث والتعبير بالعربية. وهذا أثناء عرضهم الشفهي والكتابي لبحوثهم الجامعية، ما يطرح حسب المتحدث العديد من التساؤلات حول واقع التكوين اللغوي للطلبة بداية من المدرسة الابتدائية والعائلة. وأضاف أن الكثير من الطلبة يعانون من عقدة التكلم باللغة العربية في المدرجات الجامعية، فتجدهم يفضلون استعمال مصطلحات فرنسية وعامية للتبليغ عن أفكارهم وأسئلتهم.

وعن الهدف من الدراسة، قال محدثنا: “إنها جاءت بعد كثرة الأخطاء اللغوية في المذكرات الجامعية، ما جعل الأساتذة يجدون صعوبة بالغة في تصحيح المذكرات وأوراق الامتحانات. وهذا ما دفع مجموعة من الأساتذة إلى الاهتداء إلى فكرة إعداد دراسة معمقة حول واقع اللغة العربية في الجامعات الجزائرية، من خلال تقييم عدد كبير من البحوث ومذكرات التخرج، بما فيها رسائل الدكتوراه والماجستير، التي ارتكب فيها الطلبة جرائم في حق اللغة العربية بتأنيث المذكر، وتذكير المؤنث، وكتابة جمل وعبارات باللغة العامية “الدارجة” والاستعانة بمصطلحات فرنسية تقنية عوض المصطلحات العربية.

أساتذة لا يعرفون العربية وطلبة لا يفهمون الفرنسية

وأفاد الأستاذ خالد عبد السلام الذي يشتغل أيضا عضوا في العديد من اللجان العلمية في الجامعات ومنخرط في العديد من المراصد والجمعيات الشبابية، أن الدراسة كشفت أيضا عن عدد كبير من الأساتذة الجامعيين الذين يعتمدون على اللغة العامية والفرنسية لتدريس الطلبة في الأعمال التطبيقية والمحاضرات، بسبب عدم إتقانهم للتواصل السليم مع الطلبة باللغة العربية. وهذا ما انعكس على الطلبة الذين لا يستعملون العربية سوى في الجانب النظري، ما أثر في لغتهم الميدانية في التواصل وحتى الكتابة. وأضاف أن 60 من المائة من الطلبة يفكرون بالعامية ويكتبون بالعربية، ما يجعل أسلوبهم في الكتابة مشوها، وبعيدا عن اللغة الأكاديمية، بينما يعتمد 40 من المائة من الطلبة على المصطلحات الفرنسية “التقنية” في بحوثهم بسبب افتقارهم إلى قاموس لغوي عربي يمكنهم من استعمال المصطلحات العربية في مكانها الصحيح.

 

الجامعة الجزائرية أنتجت جيلا “عقونا”

انتقد محدثنا بشدة واقع اللغة العربية في الجامعة الجزائرية، التي أنتجت حسبه جيلا “عقونا” لا يتقن أي لغة، فتجده يتكلم بلغة هجينة متكونة من عبارات فرنسية وعامية وعربية. وهذا ما ساهم في انتشار لغة موازية أطلق عليها المختصون اسم “لغة الشارع” التي باتت تستعمل في المدارس والجامعات والإدارات، وحتى في الخطاب الرسمي للمسؤولين. وأضاف الأستاذ خالد عبد السلام أن المدرسة الجزائرية أنتجت جيلا من التلاميذ لا يتقنون العربية ولا الفرنسية، وهذا ما أثر على تحصيلهم العلمي في الجامعة التي تحولت حسبه إلى مؤسسات لتوزيع الشهادات وليس لتحصيل المعرفة. وأكد أن الطفل الجزائري يقضي 07 ساعات يوميا في المدرسة أين تخاطبه الأستاذة بالعربية، وحين يخرج من القسم ينسى هذه اللغة ويشرع في التواصل مع أهله وأصدقائه بلغة ثانية “عامية” لا هي عربية ولا هي فرنسية، بالإضافة إلى استعمال بعض المصطلحات العامية المحلية التي ليس لها أي أصل لغوي. وهذا ما جعل لغة الجزائريين غير مفهومة لدى أغلب الشعوب العربية.

 

بعد نصف قرن من الاستقلال.. الجزائريون يعانون عقدة نقص تجاه العربية

بعد نصف قرن من الاستقلال لازالت اللغة الفرنسية الأكثر استعمالا وحضورا في الخطابات الرسمية والمحاضرات والملتقيات والجامعات، وحتى في الشارع الذي بات يتحدث لغة تلجأ القنوات الفضائية العربية إلى ترجمتها، بسبب المصطلحات المفرنسة والهجينة التي لا يفهمها إلا الجزائريون، في حين لازالت اللغة العربية حبيسة المساجد والمدارس يستحي الناس من التحدث بها، ومن يتجرأ على ذلك يدعى بالمعرّب الذي يرمز في مجتمعنا إلى الرجعية والتخلف، في وقت تحولت فيه الفرنسية عندنا إلى رمز للحضارة والثقافة والعصرنة .

استعمال اللغة العربية في حديثنا اليومي بات مصدرا للسخرية والاستخفاف أمام زحف وهيمنة اللغة الفرنسية على لسان السياسيين والنخبة والطلبة وحتى العوام، هذا الواقع يهدد حسب الكثير من المختصين بطمس الهوية اللغوية للمجتمع الجزائري الذي قال فيه عبد الحميد بن باديس يوما وهو تحت الاستعمار “شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب”، فمن يتحمل مسؤولية دفن هذه العروبة في المساجد والمدارس واستئصالها من الجامعات والشوارع والمؤسسات والمصانع..؟ حتى المؤسسات الأجنبية الناشطة في الجزائر باتت تكتب ملصقاتها الإشهارية بلغة عربية دارجة مكسرة حيث كتب أحد البنوك عبارة “يد وحدة ماتسفقش”، وكتب آخر “رقم للكرية”وفرضت بعض البنوك على زبائنها ملء الصكوك بالفرنسية، وحتى المؤسسات الصينية باتت تجتهد في استعمال لغتها في الإعلانات والمشاريع ولسان حال هذه المؤسسات يقول “هانت العربية علينا يوم هانت عليكم”.

 

جزائريون يلجأون إلى الفرنسية لإخفاء لهجتهم العرقية

أكد الأستاذ الهادي سعدي، مختص في علم الاجتماع، أن علاقة الجزائريين مع اللغة الفرنسية هي علاقة تاريخية استعمارية بالدرجة الأولى، فإن 130 سنة من الاستعمار أضعفت صلت الناس بحضارتهم ولغتهم، وبعد الاستقلال وجد الجزائريون صعوبة بالغة بالعودة إلى أصولهم بسبب ضعف العمل القاعدي للدولة والمجتمع في هذا المجال، وأضاف أن الكثير من الجزائريين يلجؤون إلى الحديث بالفرنسية بهدف إخفاء انتمائهم العرقي، لأن المجتمع الجزائري لا زال يعاني من آفة التفاخر بعرق دون الآخر، وهذا ما شكل عقدة نقص لدى البعض بانتسابهم إلى جهة معينة، وبما أن اللهجة تفضع الانتماء يلجأ الكثيرون إلى اعتماد الفرنسية كلغة رئيسية في كلامه، وبالنسبة إلى تغليب استعمال الفرنسية على حساب العربية في الحديث العام وحتى الأكاديمي بيّن محدثنا أن ذلك يرجع إلى الفراغ الثقافي والتكنولوجي والأكاديمي للغة العربية والتي اكتسحتها مصطلحات غربية فرضت نفسها على لسان الجزائريين، فعلى سبيل المثال جهاز الإعلام الآلي عوضه مصطلح “الميكرو” والفأرة “لاسوري” ولوحة الفاتيح “كلافيي” كل هذه المصطلحات وأخرى تنطق باللغة الفرنسية لأنها اللغة الأصل لهذا الاختراع الغربي، وحتى في الجامعات هناك هيمنة اللغة الفرنسية على المصطلحات العلمية، لأننا لم نقدم بدائل باللغة العربية التي تبقى محصورة في بعض العلوم الإنسانية فقط، وقال الهادي إن سقوط الحدود وظهور الانترنت خلق فضاءات مفتوحة للتواصل والتعبير وربط صداقات، وبما أن المواطن الجزائري ينطلق من موقع ضعف أمام الإنسان الغربي الذي ينظر إليه بنظرة المتقدم والمتحضر فإنه مرغم على التعاطي معه بلغته الأجنبية بصفتها لغة العلم والعصر، وحتى الثقافة الاستهلاكية للجزائريين صارت متفرنسة بسبب اكتساء المنتوجات الغربية للسوق المحلية.

 

النخبة السياسية والثقافية في الجزائر معقدة من اللغة العربية

أكد الأستاذ حنطابلي يوسف من جامعة البليدة أن النخبة من المثقفين والسياسيين في الجزائر معقدون من اللغة العربية، مما يدفعهم إلى اللجوء في خطاباتهم ومحاضراتهم إلى اللغة الفرنسية التي يعتبرونها لغة الحضارة والعلم، فهم يعتقدون أن العربية وحدها ليست مقياسا لإظهار مستواهم العلمي ولو كانوا دكاترة، مما يدفعهم إلى اللجوء للفرنسية بهدف الظهور بمظهر المثقف المعاصر، مضيفا أن الجزائري عندما يستعمل اللغة الفرنسية في حديثه اليومي فهو يعطي إشارة للآخر بأنه متقدم وعصري، وهو ما بات متداولا ومعتمدا في الواقع، وحتى في الجامعة باتت كل العلوم التي ترمز للتكنولوجيا والعصرنة تدرس بالفرنسية، بينما تدرس العلوم الإنسانية التي وضعت في الدرجة الثانية بالعربية ويرسل إليها التلاميذ المتحصلون على معدلات منخفضة، وهذا ما يدل على أن الجامعة الجزائرية عاجزة عن إعطاء بديل علمي مستقل بالعربية، وأضاف الأستاذ حنطابلي أن الكثير من الجزائريين مقتنعون أنه لا ثقافة إلا بالفرنسية، والمشكل في النهاية أنه حتى من يتقن الفرنسية تجده يجهل اللغة العربية، في حين نجد المشارقة متحكمين في لغتهم العربية ويتقنون لغات أخرى على غرار الإنجليزية.

 

اللغة العربية هانت على أهلها فهانت على الناس

انتقد رئيس المجلس الوطني لتطوير اللغة العربية السيد رشيد بن مالك عقدة الرسميين والسياسيين بالحديث والخطاب باللغة العربية، مؤكدا أن رواد اللغة العربية في الجزائر من مثقفين وأساتذة وكتاب هجروا العربية فهجرها العوام قائلا “لما هانت على أهلها هانت على الناس”، وأضاف أن جهود تطوير اللغة العربية في الجزائر لا زالت مدفونة في الرفوف رغم مايميزها من تقدم وتطور للكثير من الباحثين الشباب الذين تحصلوا على براءات اختراع في تقنيات تطبيق واستعمال العربية في جميع المجالات، مبيّنا أن وسائل الإعلام هي الأخرى متواطئة في دفع هذه الجهود وتلميع كل ما له علاقة باللغة الفرنسية، وأضاف السيد رشيد بن مالك أن بعث اللغة العربية في الشارع والجامعة والمصنع يتطلب إرادة سياسية قوية وقرارات شجاعة لدعم جميع الجهود التي ترمي إلى الرقي بلغة الضاد التي هي بحاجة إلى ثورة تكنلوجية لمواكبة العصر والتماشي مع متطلبات الواقع.

الجزائر.. تستيقظ من أوجاع الفرانكفونية

بالإضافة إلى الحقيبة المعتادة التي نتأبطها إثر كل ملتقى، المدموغة بشعار المناسبة، والمعبأة بالنشرات المدرسية والتعريفية، خرجنا من الجزائر بحيرة مضاعفة، وبحب أكبر، وبإشفاق أكثر على تلك المخلوقات المتحفزة للخروج من لحظة تاريخية حرجة، وبرغبة أكيدة أيضاً للعودة إلى أرض مخبأة داخل تعاريج من الأسرار المهملة، فهذه الأرض التي كنا نعتقد أننا نجهل بعض خباياها التاريخية والجغرافية والثقافية، يتبين كلما حاولنا استيعابها أننا لا نعرفها أصلا،ً لأننا لم نُحدث من التماس مع ناسها ما يكفي للتعرف على حقيقتها، إذ لا نملك إزاءها إلا شحنة من العواطف اكتسبناها من فرح تحرُّرها من نير الاحتلال الفرنسي والعودة إلى حواضنها العربية الإسلامية. وقد تربى هذا الفرح في قلوبنا غريزياً بدون أن نبذل أي محاولة جادة لمفهمته أو تصعيده إلى حد الوعي بمعنى الأرض المقاوِّمة، فيما لم يساعدنا الجزائري نفسه على استظهار صورته كمناضل استرد آدميته بذات القدر الذي حرر به أرضه.

الجزائر كنز من الجمال المخبوء تحت طيات من النسيان والتجهيل والانشغال باليومي والسياسي، أو بمعنى أدق، الانحراف في ترتيب الأولويات الإنسانية، والانصراف اللامبرر عن تأمل الغنى الثقافي الذي يمكن أن يكون حافزاً سياحياً، حيث ننتبه على بلاغة هذا الدرس الجمالي المنسي مثلاً عند زيارة ما تبقى من آثار الإمبراطورية الرومانية في (تيبازة) وبالتحديد في المكان الذي كان يلوذ به البير كامي ليستلهم روح الإبداع، عندما كان يسترخي على الصخور المطلة على زرقة المتوسط، قبالة جبل (شنوة) الموحي بالكثير من الدلالات كما يبدو من مظهره الذي يشبهونه بجسد المرأة الحامل المضطجعة على ظهرها، ليكتب هناك طاعونه، وغريبه، وإنسانه المتمرد، كما خُلد ذلك الأثر بنصب صغير حُفرت عليه عبارة ذات دلالة، مقدودة من إحدى رواياته (هنا عرفت المجد، ومعنى الحب) أو هكذا تم تخليد ذلك الممر الآخاذ في الذاكرة في حواضن طبيعة سخية وجغرافيا خلابة.

سرفانتس أيضاً، خلف وراءه في الجزائر أثراً مادياً فريداً لا يخلو من القيمة الرمزية، فصاحب الرواية الأشهر (دون كيخوت) كتب البدايات الأولى لعمله الروائي الخالد – كما يقال – داخل مغارة لجأ إليها بعد محاولته الفرار من الأسر للمرة الثانية بعد إلقاء القبض عليه مع شقيقه عندما كانا يعملان على ظهر سفينة اسمها (سول). وقد تكفلت شركة النفط (ريبسول) بترميم المغارة والإبقاء على طابعها التاريخي والحفاظ على تداعيات معناها الرمزي، بتخليد الأثر المادي ذاته الذي يجري الآن موضعته تحت ما يمكن تسميته بالسياحة الثقافية ضمن مشهديات ومواقع وآثار مادية ومعنوية قد يدخل فيها أيضاً فندق (السان جورج) الذي قضى فيه كارل ماركس حقبة من حياته ليتعافى من نوبة كآبة أو أزمة صدرية، حسب اختلاف الروايات، وهو نفس الفندق الذي أوى اليه فريد الأطرش، بعد أن أغضب الجزائريين عندما توجه بالشكر لسلطات الاحتلال الفرنسي على إتاحتها الفرصة له للغناء في الجزائر جارحاً الجزائرين بهفوة لا واعية.

كما سامح الجزائريون أحمد شوقي الذي لم يستوعب قساوة السجان الفرانكفوني لدرجة أنه عيّرهم بلسانهم المسلوب بقوله (حتى ماسح الأحذية يتحدث الفرنسية) تجاوزا سقطة المطرب الذي هادن عدوهم، وصاروا يتندرون على تلك الحكاية الموجعة لضميرهم. وقد تم تناقلها بارتباكات سردية متناقضة حد نفيها، رغم أنه عاقبهم في بساط ريحه الشهير، فقفز من مراكش إلى تونس، وتنّقل في معظم الأقطار العربية بدون أن يأتي على ذكر الجزائر، وكأنه أراد بذلك التجاهل أن يسلخهم من عروبتهم، الأمر الذي أثار الشهيد علي معاشي لدرجة أنه أنجز أغنية مضادة عدد فيها كل مآثر الجزائر الجغرافية وكانت تلك الأغنية سبباً كافياً – من وجهة نظر الاحتلال – لقتله. وإذا كانوا قد غفروا لمن أساء لهم، إلا أنهم على درجة من الوفاء لكل من وقف معهم ضد المحتل، مهما كان إسهامه متواضعاً، كما يمكن تلمس بعض ذلك الوفاء عند المرور والوقوف بساحة (موريس أودان) التي حملت اسمه الفرنسي إلى جانب أسماء الشوارع المعنونة بأسماء طابور طويل من شهداء الجزائر بدون أي عقد أو حساسية عرقية.

كنا نظن أن معركة التحرير قد أنجزت تماماً، وأن مرحلة التسيير الذاتي تتواصل بوتيرة مطمئنة، ولكن يبدو أن الجزائري ما زال يخوض حربه الطويلة للتخلص من آثار احتلال استمر اثنتان وثلاثون ومائة عام، فاليومي بالنسبة للجزائري هو النضالي، ولا يمكن أن تقف مع جزائري بدون أن يُحدّثك عن مفصل نضالي، أو حالة مقاومة، أو عن شهيد، حيث يتغلغل الفعل المقاوم في التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية ويتجاوز الميدان الأرضي إلى المشاعر، وهنا يكمن سر انفعال الجزائري الدائم، فتلك هي المرجعية السوسيولوجية المهيمنة، حتى توقيت الطبعة الثالثة لعكاظية الشعر إنما تم اختياره، أو توظيفه بمعنى أدق، ليوافق يوم التاسع عشر من مايو، للتذكير بعيد الطالب، يوم قرر المثقفون الجزائريون من طلبة الجامعات والثانويات ترك مقاعد الدراسة والالتحاق بالثورة لتكذيب دعاوى الاحتلال، ودحض أخدوعاته عن كون الثورة الجزائرية مجرد هوجة طارئة لشباب عاطل عن الحياة لا مستقبل له، وهو الأمر الذي يفسر كثرة الحديث حتى اليوم عن (الفرنّسة) وعن ثقافة فرانكفونية متوحشة، تحاول تعطيل مسيرة الإنسان الجزائري نحو عروبته وإسلامه، وإحداث الفتنة بين العرب والبربر، حيث يحدثونك عن عدو شرس، تحس بآثاره المدمّرة، وتستشعر نواياه ولكنك لا تستطيع القبض على شيء من تمثّلاته المادية.

هذا الجدل الحضاري الذي ينم عن تموضع الجزائري على حافة صراع وجودي على درجة من الحدة، لا ترتطم به من مساجلاتك مع النخب الجزائرية التي تنتج الخطاب الثقافي وتتعاطى متعالياته التنظيرية على المنابر وحسب، بل من التماس المباشر مع الجمهور الجزائري عموماً، حيث تلاحظ مثلاً أن الجرعة الزائدة عن الحد من الإسلاموية المناهضة للفرانكفونية هي التي أنتجت ثقافة عذاب القبر، إذا ما أجريت مقاربة ولو عابرة لتاريخانية فكر التطرف، فسائق (الطاكسي)، حسب نطقهم الملذوذ لحرف التاء، يصحح لك معلوماتك المدرسية المتداولة إعلامياً بغضبة ودودة، ويصر على تصويب حتى عدادات الثورة الجزائرية، فعندما تحدّثه عن احترامك لطهارة أرض تضم مليون شهيد، يخبرك من وراء لغة فرنسية يختنق باغترابات ألفاظها ومخارج حروفها، وكأنه ينشنق بها، عن أرقام أغفلتها الثورة، كما يحاول باعتداد عروبي إسلاموي، أن يضيف إلى العدد ثلاثمائة وخمسين من الصحابة الذين ينامون على هذه الأرض التي يراد لها أن تكون ضريحاً للأولياء، ثم يغريك، بما يشبه الأمر بالتحديق في ملامحه لتتأكد أنه سليل ذلك الفارس الأصيل عقبة بن نافع، كما يحاول الاستنساب له بمنتهى الحماسة كحتمية بيلوجية.

كل يوم يمر عليك في الجزائر تشعر أن يداً تمتد إليك مستغيثة تدعوك للبقاء والتجادل والتواصل، فكل من تصادفه من المتنفّذين يسألك السؤال الذي يشبه التعويذة: كيف نصل إليكم؟ وهو ذات السؤال الذي يباغتك به الناس في الشارع بتنويعات مختلفة. كلهم يريدون أن يعرفوا انطباعك عن بلادهم وثقافتهم وناسهم. يريدون الاطمئنان – ربما – على أن لديهم كائنات جديرة بالحياة، أو هو نوع من إثارة فضول (الآخر) ناحيتهم. يريدون التيقّن من كون أرضهم مغرية وجاذبة للآخر بكل تمثّلاته، وربما يتأتى هذا الإلحاح من إحساسهم المرّ والعميق بالتهميش. ولذلك يغمرونك بالحب، ويتبرعون بشرح تفاصيل يومياتهم ليزدادوا يقينا بجدوى مكانهم. أجل فسؤال المكان يثير في نفوسهم القلق الدائم والمحيّر، حيث المفارقة العجيبة الحاضرة بقوة حين يتعلق الأمر بالإبداع، إذ يأتي (الآخر) إلى مختبر الجزائر ليخرج منها كائناً خلاقاً وقابلاً للخلود، فيما يحدث العكس، حيث يخرج الجزائري من بلاده ليحقق شهرته ومكانته وإبداعه بل خلوده في مكان آخر، يبدو أحياناً بمثابة منفى للذات من جحيم الوطن وضيقه، كمحمد أركون وآسيا جبار وأحلام مستغانمي ومالك بن نبي ورشيد بوجدرة وصولاً إلى مطرب الراي الشاب خالد إلى آخر قائمة المحلّقين في السماوات البعيدة، وكأن الجزائر مجرد قبر لمن يريد أن يُحدث تغييراً نوعياً في معادلة الحياة أو حتى على مستوى الذات.

اللازمة الكلامية لإذابة الجليد مع (الآخر) بالنسبة للجزائري هي النكتة، إذ لا يمكن أن تتحدث مع أحد أولئك الذين تشبه وجوههم تضاريس جبالهم وكأنها مقدودة منها، بدون أن يفتح أساريرك بطرفة سياسية في الغالب، ولكن ذلك الانبساط الظاهري لا يعني أنه قد تخفف كلياً من قلقه الأصيل، إذ يشبه الأمر على وجه الدقة صرخات الابتهاج التي يطلقها الجزائريون بمجرد رؤية منتخبهم الوطني لكرة القدم لحظة دخولهم ككتلة بشرية متماسكة، ثم الخفوت الذي ينم عن خوف مشوب بالقلق بمجرد تبعثر اللاعبين في الملعب وتفرقهم في مراكزهم، وهذه هي أيضاً طريقتهم في سرد تاريخ الحروب التي دارت بين الأقاليم، وصراع العرب البربر، وربما لهذا السبب بالتحديد يريدون الإبقاء – نفسياً وضمنياً – على المحتل كعدو لضمان وحدتهم المهددة بالكثير من الأوهام.

الجزائر بلد آخذ في التعافي من الاستعمار والأصولية ومن المعالجات الخاطئة لفتنة الأمازيغية المعروفة في (منطقة القبائل) التي كانت وما زالت جرحاً على درجة من الحساسية، وبمقدورك تخيّل شكل ومضمون الذات التي كشفت أضاليل الفرانكفونية، وصدت ثقافة عذاب القبر انتصاراً لمعنى الحياة، كما لا يمكنك إلا الاندهاش أمام عبقرية مزجهم العجيب بين الأصالة والحداثة، حيث يمكن أن ترى كل ذلك مترجماً على الأرض في صور المحافظة حد التزمت، مقابل تمظهرات التطرف الليبرالي حد الانفلات. يحدثونك عن خمسة وثلاثين كيلومترا من السيارات المتراصة خلف بعضها، مكتظة بكائنات جاءت متعطشة لسماع ماجدة الرومي في لحظة من لحظات التوتر إبّان المواجهات الحادة المعروفة، يوم كان (باب الواد) خبراً يومياً يختصر المنتج الجزائري في العنف والتطرف، مقابل الآلاف الذين احتشدوا للترحيب بعائض القرني في لحظة من لحظات الاسترخاء، إذ لم يعد (حي القصبة) مسرحاً للعروض الدموية اليومية الصاخبة، بقدر ما عاد إلى طبيعته كحي شعبي، يجتذب السياج بمزيج عمارته التركية الفرنسية، بل ان الجزائر كله صار مزاراً يومياً لوفود ثقافية وإعلامية، أو هذا ما تشي به تلك الانتباهة التي ترقى إلى مستوى الاستراتيجية المرسومة بدراية وعناية، بما في ذلك دعوة الإعلامية خديجة بن قنة لأول مرة، حيث تستضاف في بلدها الجزائر بدعوة رسمية بعد خمسة عشر عاما من التحليق في فضاء إعلامي خارج الجزائر، كما أفصحت عن ذلك بامتنان واستبشار في ندوة مصغرّة حول المنتج الثقافي الجزائري وإمكانيات تصديره، جمعتنا بها في جريدة الشروق، بالإضافة إلى شبوب بوطالب، الإعلامي في جريدة العرب القطرية، الذي كان بمثابة مرشدنا الروحي ودليلنا (الجيو- والجغرا- سياسي).

هكذا تفتح الجزائر ذراعيها بمنتهى الاتساع ليس لأبنائها وحسب، بل لكل من يستشعر في ذاته قدرة أو إمكانية للإسهام في تشكيل صيرورة وصورة الجزائر الجديدة داخل الأزمنة الحديثة، كما يلاحظ في الحداثة المعمارية الآخذة في تغيير ملامح المدينة ببطء، وكما يُلاحظ أيضاً في الحداثة الساطية على أجساد شباب وشابات الجزائر، التي تنحتهم وفق مرجعيات الموضة وخطاب الموديلات العصرانية، وكل تلك الهسهسات تمر عبر مضائق حرجة لتشكيل هوية ما زالت قلقة ومشوشة، وقد صارت في هذه اللحظة من لحظات الانتباه أميّل إلى فكرة مد الجسور إلى الإنسان والمعين العربي، وترجيح الخيار العروبي الإسلامي في جانب من أهم مكوناتها المادية واللامادية، وكأنها عودة تحديثية للإطار الذي رسم معالمه الشيخ عبدالحميد بن باديس في بيت الشعر الشهير (شعب الجزائر مسلم…وإلى العروبة ينتسب) مع التأكيد على إيجاد مسامات وروافد تسمح لتلك الهوية بالتفاعل مع الآخر على قاعدة التضايف، بمعنى تفضيل استضافة كاظم الساهر عوضاً عن ازنافور – مثلاً – كما شرح بن تركي لخضر مدير الديوان الوطني للثقافة والإعلام – ذات محاورة بينية – صيرورة التحوّل في المزاج العام، وانقلاب الدلالات الشعورية والمفهومية، وما يقابل ذلك التدحرج نحو البدائل الثقافية المتحجرة من استجابة رسمية معزّزة بفائض من الآمال، وبتصور ثقافي إعلامي على درجة من المرونة والتطلع، فهم يغضون الطرف مثلاً عن نزق شاعر أصرّ على أن ينشر سراويله المنصّصة بمنتهى الفجاجة بين علمي فلسطين والجزائر وعلى خلفية مزدانة بجلال شعار مناسبة القدس في ضمير الشعر العربي، كما يتفهمون أيضاً مقاطعة بعض الشعراء للمنبر احتجاجاً على هفوات في التنظيم، أو نتيجة اعتقاد ذاتي راسخ بالمفاضلة تجاه أقرانهم من الشعراء، حفاظاً على قدسية قيمتي (الشعر والقدس) كما يبدو هذا الأمل مرسوماً على وجوه الطاقم المثابر (نصيرة وسمير ونورة وخيرة وآخرين) الذين قرروا مخاصمة النوم طوال الشهور الماضية والقادمة أيضاً فالجزائر ورشة مهرجانات وملتقيات مفتوحة ولا يراد لها أن تهدأ، لتبقى مهمة وصول الكتاب العربي، والتأكيد على اتفاقيات تعاون ثقافي شعبي ورسمي مع الفاعليات الثقافية العربية أمراً ملحاً، لكي لا تكون هذه الهبّة مجرد كرنفالات وقتية.

الجزائريون صدورهم واسعة، وقلوبهم كبيرة بحجم عقولهم، ورؤوسهم الحامية ليست صغيرة كما أهانهم زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي موريس توريز بنعرة عنصرية، ليبرر لبلاده احتلالهم آنذاك، ولذلك لم يغضبوا عندما واجهناهم متسائلين عن سر غلبة الشعر الكلاسيكي الأفقي في معالجاته وموضوعاته ومعانيه، وعدم وجود أسماء شعرية جزائرية ذات قيمة في المشهد الشعري العربي، وعن طغيان النقد المدرسي كمعادِلات روحية وموضوعية لهوية مذعورة وخائفة من التقدم داخل لحظة زمنية متسارعة، تماماً كما لم تتبرّم أسرة تحرير الشروق اليومي عندما كاشفناهم، في ذات الندوة التي أدارها نائب رئيس التحرير مصطفى فرحات بكفاءة، متسائلين عن سر برود الإعلام الثقافي الجزائري، بقدر ما صادقوا على استنتاجنا وملاحظاتنا، مع وعد بتغيير قريب يتم من خلاله الإفصاح عن الوجه الحقيقي لجزائر ما بعد الانفتاح، والسبب كما يبدو، يكمن في الرغبة العميقة عند الجزائري لرؤية ذاته في مرآة الآخر، وفي سعيه الجاد للخروج من أزمة هويته المرتبكة، والوصول إلى حالة من حالات (الجزأرة) الأصيلة، بما تحتمله الذات الجزائرية الجديدة من قدرة ورغبة على الانفتاح والتصالح والتحضر والتواصل مع الآخر من منطلق التكافؤ، والانعتاق من جحيم الثنائيات الحادة التي يحترق بها في مناددته اليومية ضد مخلفات الأصولية والاستعمار، كما يؤكد هذا المنحى المعقّد علي فضيل، المدير العام لجريدة الشروق الذي يجمع بين رعايته لزمرة من الشباب والشابات المنذورين لمقاومة لوبي فرانكفوني عنيد، وبين رعايته الإعلامية الحصرية للمنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم، الذي يعتبر محل إجماع وطني، حيث بات الجزائري المعروف بعلاقته الملتبسة مع الزمن حد انعدام الإحساس به، يضبط الأيام القادمة من حياته على السابع من جوان، يوم منازلتهم الكبرى في مواجهة المنتخب المصري للتأهل للمونديال، وحيث بدأت ساعاتهم تدق على إيقاع دمعات مدربهم الوطني رابح سعدان، فكل شيء صار يؤرخ بما قبل وما بعد هذا المفصل. لم يصدق الإنسان العربي أن الجزائر بلد عربي يحمل خصائص العروبة إلا بعد أن سمع بأول انقلاب، حيث انخدشت الصورة الرومانسية للثورة الجزائرية الكبرى، التي موضعت الجزائر بإباء أهلها وتضحياتهم خارج تصنيفات الخراب العربي. ولكن، ترى ما الذي يحتاجه المثقفون أو الإعلاميون العرب اليوم ليصدقوا أن الجزائر بلد عربي فيه ما هو أجمل وأجدى من أخبار الزلازل والتطرف!؟ وكم يحتاج هذا البلد من الأدلة الجغرافية والتاريخية، ومن البراهين الروحية والثقافية ليقنع الآخر العربي بضرورة استكمال ما بدأه عبدالناصر من مسيرة التعريب المجهضة!؟ ففي حلوق الجزائرين استفهام عالق، أشبه ما يكون بالغصة التي اختنق بها مالك حداد في عبارته الشهيرة، وهي لسان حال كل الجزائرين (إن الفرنسية لمنفاي).

اللغة الوطنيّة الجامعة وأهميّتها في توطين المعرفة وتنمية رأس المال البشري

اٌرتبطت اللغة العربيّة بالقرآن وعلومه، وتمّ توحيد لهجاتها في فصحى واحدة وموحّدة للناطقين بها لغة أولى في أوطانها أو لغة ثانية بين ملايين المسلمين والعديد من المستعربين في شتى أنحاء العالم، وهي من أولى اللغات التي تمّ تقعيدها في زمن مبكّر يزيد على 1200 عام، ويمكن الإطلاع على تراثها قبل الإسلام وبعده بالعربية مباشرة، وهو يزيد عدّة مرّات على التراث الهليني واللاتيني مجتمعين الذي يحتاج إلى ترجمة إلى اللغات الأروبية المتداولة اليوم، فاليونانيّة القديمة واللاتينية لا يعرفهما إلا قلّة من أهل الاختصاص، وتصنّف اليونسكو العربيّة في المرتبة السادسة بين اللّغات التي تستعملها نصف البشرية.
ولا ينكر إلا جاحد مساهمة العرب والمسلمين في حقب سابقة في تقدّم العلوم والفنون والآداب، فقد أثروا رصيد المعرفة الإنسانية، ومن الثابت أن العربية كانت لغة العلم والتأليف العلمي، وأوْلى العديد من الخلفاء والأمراء عناية كبيرة بالترجمة من علوم الأولين والمتأخرين، وقد أمّ حواضر الإسلام باحثون عن المعرفة من مختلف الأجناس والأديان وشاركوا في المناظرات العلمية بتسامح كبير، نذكر من بين تلك الحواضر دمشق وبغداد وما وراء النهر والقاهرة وفاس وقرطبة والقيروان وبجاية وتلمسان التي ستكون في العام القادم عاصمة للثقافة الإسلامية.
1 -لماذا تتّهم العربيّة بالتخلّف؟!
إنّ ذلك الرصيد النفيس الذي صنع حداثة عصره وأضاف الكثير إلى تراث الإنسانية بمقاييس ذلك الزمان، هو منذ بضعة قرون جزء من تاريخ العلوم والآداب، وليس المعرفة كما هيّ عليه بعد الانطلاقة الكبرى للنهضة الفكريّة والعلميّة والتصنيع في غرب أروبا وشمال أمريكا، ولا ننسى أنّ قسما كبيرا من ذلك التراث العلمي قد تعرض للإتلاف والسرقة على يد المغول القدماء والجدد، وواجه التجاهل والإنكار في عهود الركود والانحدار، حتى نفض الغبار عن بعض ما بقي منه المستنيرون في حركة النهضة والإصلاح والنزهاء من علماء الاستشراق، والجدير بالذكر أن المسيحيين العرب ساهموا بجهد كبير في خدمة ذلك التراث والعربية لسانا وثقافة وكانوا من السباقين في صناعة المعاجم وإحياء الترجمة وتحديث لغة الصحافة.
لم تتمكّن العربيّة -أو على الأصح أهلها- من مواصلة التقدّم الحضاري وتحقيق التراكم العلمي والإبداعي، فقد تحالفت ضدّها ثلاثة عوامل عطّلت تقدّمها وأضعفت إشعاعها أولها ما حاق بالعرب والمسلمين من تخلّف وجمود وفتن بسبب ضعف الدّولة وسوء التدبير والتسيير والاستقواء بالأجنبي في الماضي البعيد والحاضر القريب، والعامل الثاني يرجع إلى المد الكولونيالي الذي اجتاح المنطقة مشرقا ومغربا، واٌستفاد من تفوقه العلمي والتقاني وحالة الضعف والتخلّف السائدة في بلداننا، فعمل على دفعها نحو مزيد من التخلّف، وفي فترات طويلة من تاريخنا كان الإسلام عقيدة وتراثا الملجأ الأخير للفصحى.
وثالث العوامل تخاذل أهلها وغفلة شرائح من نخبها وأولي الأمر في أوطانها عن تحريك النهضة وتوليد العلوم والتقانات باللغة العربية، إما بحجة الإسراع باللحاق بالدول المصنّعة، وإما بسبب الركون للميراث اللساني الكولونيالي لدى شرائح من النخب التي لا ترى في أقرانها من النخب التي توصف بالتقليدية الكفاءات اللاّزمة للتطوير والتنمية، والنتيجة هي تجاور مجموعتين في البلد الواحد يقال عن الأولى إنها في غربة معرفية، ويقال عن الثانية أنها في غربة عن الانتماء.
قد يكون من المفيد في هذا المقام الإشارة إلى حال العربيّة أثناء محنة الاحتلال الاستيطاني في الجزائربهدف التذكير وليس للتبرير والتأجيل فقد كانت لغة أجنبيّة بحكم قانونه الجائر، وبلغت الأميّة أكثر من 87 % حسب تقارير مكتب الإحصاء الفرنسي سنة ,1960 ولم يتجاوز عدد المنخرطين في التعليم العالي بضعة مئات من الجزائريين والمغاربيين في الجامعة التي أسستها فرنسا للمستوطنين سنة ,1909 ولم تعد إلى الجزائر إلا بعد التحرير سنة 1962 والشروع سنة 1970 في إصلاح المناهج والمضامين والتعريب التدريجي لعدد من التخصّصات في الجامعات والمعاهد العليا لتتوافق مع التعريب الكلي لكلّ مراحل التعليم من الابتدائي إلى نهاية التعليم الثانوي وبجميع شعبه الذي استكمل في منتصف الثمانينيات.
2- تحدّيات تنتظر الجواب:
لقد تخلّصت معظم بلداننا بتضحيات جسيمة من ظلم وظلام الاحتلال والحماية، ومضى ما يزيد على نصف قرن بعد تحرير الأوطان، وبقي في ربوعنا عدو لا يقل خطرا وتهديدا لأقطارنا، إنّه التخلّف وما يفرضه علينا من عجز وتبعيّة، هناك بلا ريب وعي متزايد بين النخب الفكريّة والسّياسيّة بعدم كفاية الحصيلة المنجزة في العقود السابقة في مجال بناء القدرات العلميّة والتقانية، مقارنة بطموحات شعوبنا المشروعة للتقدّم والتنميّة، يُطرح ذلك الوعي في صورة تساؤلات ومطالب عند السّاسة والهيئات الرسميّة ومنظّمات المجتمع المدني من بين تلك التساؤلات الملحّة:
– هل تؤدي أنظمة التعليم والتكوين والبحث وظائفها في إعداد رأس المال البشري صانع الثروة الحقيقية والرهان الأهم على المستقبل؟
– هل لدى بلداننا استراتيجية طويلة المدى لتنسيق الجهود داخل كلّ قطر وعلى مستوى المنطقة العربية لنقل العلوم والتكنولوجيات الحديثة تمهيدا لتوطينها والمشاركة في إنتاجها باللسان العربي على المديين المتوسط والبعيد؟
– كيف تستفيد بلداننا من عولمة واثقة من نفسها وهجومية، وتساهم في تدفقها دون أن تفقد خصائصها الروحية وانتماءها الحضاري؟
– هل هيأنا بيئاتنا المحليّة بالقدر الكافي لتكون جاذبة وليس طاردة؟ وذلك للحدّ من هجرة الكفاءات العلمية إلى خارج الأوطان، فنحن من بين البلدان التي تُكوّن على حسابها لصالح البلدان الأجنبيّة، بينما تفتقر جامعاتنا ومراكز البحث ومتطلبات التنمية إلى الخبراء والمؤهلين في كثير من العلوم والتقانات المتقدّمة وتضطر للاستعانة بالأجانب في الكثير من مشاريعها ولا شك أنّ التبعية في مجال الخبرة والتأهيل هي أم كل التبعيات الأخرى.
إنّ نقل التكنولوجيا وتوطينها بالعربيّة يتطلّب توفر الآليات الضرورية للاٌستيعاب والتمثل في محاضن تكون مثل خليّة النحل التي تمتصّ رحيق الأزهار لتنتج الشهد، كما تقتضي ابتكار سياسات لا تخضع للأهواء والأمزجة تشجع معنويا وماديا النخب التي تنتج الأفكار ويشركها أصحاب القرار Policy makers في بناء السياسات الداخلية والعلاقات الدولية، وتقيم الجسور بين مراكز البحث العلمي وقطاعات الفلاحة والصناعة والخدمات.
3 – الطريق لتوطين المعرفة العلمية والتقانية وتوليدها بالعربيّة:
لبلوغ هذه الأهداف لا بدّ من الشروع دون إبطاء في وضع سياسات تتحاشى بعض الأخطاء الشائعة وأولها الاعتقاد بأنّ استيراد منتجات العلم والتكنولوجيا في صورة سلع وخدمات يعني التطوّر والتنمية والحداثة، فقد تأكد في مختلف تجارب البلاد النامية، ومنطقتنا جزء منها، أن ذلك لا يعني أبدا امتلاك المعرفة، التي أنتجتها أو تقبل السلوكات والعقليات الملازمة لها، بل إنّها تؤدي إلى مزيد من التبعيّة والاتكال على الآخر.
وأما ثانيها فيتمثل في قلّة العناية بالبحث الأساسي أو التنظير في العلوم الدقيقة وعلوم الإنسان والمجتمع إذ يعتقد البعض أن ذلك غير مجد، والحقيقة أنّ التقدّم العلمي عمليّة مترابطة لا ينفصل فيها التنظير عن التطبيق في مختلف حقول المعرفة كما أدّت معاينة الهوّة التي تفصل بلداننا عن القسم المتقدّم من العالم إلى تخصيص التكنولوجيا بالاهتمام، وكأن في المعرفة علوم نفيسة وأخرى خسيسة، وبالتالي عدم إعطاء العناية الكافية للتكوين والبحث في علوم الإنسان والمجتمع ممّا أدّى إلى ضعف المنتوج العلمي الأكاديمي في مباحث هامة مثل علم الاجتماع الديني والمقارن وفلسفة التاريخ والفلسفة بوجه عام واللسانيات وعلوم الاتصال والإعلام التي لا نساهم في تطورها المتسارع إلا بقدر ضئيل.
وتكفي الإشارات السريعة التالية للتنبيه لوضعيتنا الحرجة في تلك المجالات الحيويّة، فليس هناك بحث علمي كاف يرقى لاستشراف أوضاع عالمنا العربي والإسلامي وينير الطريق لأصحاب القرار، بينما بعض أقطار العرب والمسلمين في اشتباك مهلك مع مرجعياتها الدينية وتتراجع إلى عهد الملل والنّحل الغابر، وفيما يتعلق بوسائط الاتصال الحديث فإن حضور العربية لا يزيد على 4,0 % على الشابكة (الأنترنيت)، بينما تحتل الانكليزية 47 % وهي تمثّل 70 % من حجم الاتصالات والبريد الإلكتروني التي قدر عائدها التجاري سنة 2008 ب 000,10 مليار دولار.
أما ثالث الأخطاء وأكثرها ضررا فيتعلّق من ناحية في البطء في تطوير وتحيين مناهج ومضامين التعليم والتكوين العالي، ويتصل من ناحية أخرى بإبعاد العربيّة عن حركيّة التطوّر والتقدّم العلمي في جامعاتنا التي تقتصر العربيّة في كثير منها على الآداب وعلوم الإنسان، ممّا أدّى إلى قلّة المراجع ذات القيمة الأكاديميّة في العلوم الدقيقة والطبية والتقانات التي تقود حداثة اليوم وما بعد الحداثة التي تتصدرها اليوم تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الجينية والاكتشافات المتلاحقة للفضاء ما بين الأرض والشمس وما وراءها.
وقد أصبح ذلك النقص أحيانا عائقا حقيقيا لطلاب الجامعات العربيّة والباحثين المهتمين بمتابعة الأدبيات العلميّة الغزيرة في العالم، وأحيانا أخرى ذريعة لبقاء الحال على ما هو عليه، إن اعتبار لغة الضّاد لغة الدين فقط وحصرها في علومها مثل النحو والصرف وعلوم الفقه وأصوله، قد أدى إلى انشطار النخب إلى تقليدي وحداثي وأحكام مسبقة متبادلة بين الطرفين لا تخدم العلم ولا المجتمع ولا التنمية، فكما يحتاج موروثنا الثقافي من غير أصول العقيدة إلى غربلة بعقل المعاصرين فإن التحديث عملية انتقالية ودائمة من فكر ومسلكية إلى أخرى تبرهن على فاعليتها وجدواها.
لقد أثبتت تجارب ناجحة في اليابان والصين وفيتنام وإسرائيل، أن التحصيل العلمي باللغة الوطنيّة يوفر الجهد ويرفع من كفاءة المتكوّنين ومردودهم في الميادين التي يعملون فيها بعد التخرّج، كما أنّه يضمن النشر الأفقي للمعرفة وتقبّل الحقائق الثابتة في العلم الحديث بين الجمهور، وتقدّم كوريا الجنوبية مثالا يستحقّ التأمل و الاعتبار، فقد كانت قبل حوالي أربعة عقود في مصاف البلاد المتخلّفة وتحت الحكم العسكري، وفقيرة من الثروات الباطنية، وقد تمكّنت من تحقيق طفرة علميّة وتكنولوجيّة مكّنتها من الحصول على موقع منافس في موكب المقدّمة بلغتها الوطنيّة وتصدر من التقانة والخبرة (Soft wear) ما يساوي أو يفوق ما تصدره أغنى بلداننا بموارد الطاقة، بفضل الكفاءات العالية Think Tanks أو ما يعرف البحث الابتكار recherche innovation.
وأمّا الخطأ أو العائق الرّابع فيتعلّق ببطء وتيرة الترجمة وهي الأكسجين الذي ينعش اللّغة ويثري رصيدها ويحيّن ثروتها الفكريّة والإبداعيّة، وهي من أهمّ الوسائط لاستيعاب المعرفة ونقل التقانة تمهيدا لاستنباتها في بلادنا، فحسب مؤشرات اليونسكو عن مسار الترجمة في العالم، فإنّ ما نقل إلى العربيّة خلال العقود الثلاثة الماضية لا يزيد على ما نقل إلى اللّغة اللّيتوانية في نفس الفترة وعدد سكانها لا يتجاوز أربعة ملايين من الناطقين بها، وتأتي اللّغة العربيّة بعد اليونانيّة في المرتبة 27 عالميا مع العلم أنّ عدد الناطقين بالعربية حوالي 300 مليون نسمة أي 5 % من البشريّة وتشغل 10 % من مساحة كوكب الأرض.
تلك بعض التحديات التي تواجه العربيّة وتدفع إلى الاعتماد على اللّغات الأجنبيّة وخاصّة الإنكليزيّة والفرنسيّة في بعض التخصّصات الجامعيّة وتفضيل الباحثين نشر نصوصهم بها بهدف الوصول إلى صفوف العالميّة الأكاديميّة، وليس ذلك مأخذا في حدّ ذاته، إذا ساهموا أيضا في إثراء لغتهم الجامعة، كما يفعل علماء ومبدعون بلغات أخرى، يرفقون أبحاثهم بملخصات بالإنكليزية في الدوريات المحكمة.
4 – مرتبة جامعاتنا في العالم: الحصار والحواجز.

إنّ الابداع العلمي باللّغة هو أيضا إبداع في اللّغة، فليس من الضّروري أن لا يكون الإبداع إلا بلغة أجنبيّة، كما أنّه ليس كل من يتقن لغة أجنبيّة مبدعا، ولا يعني ذلك التقليل من أهميّة تعليم وإتقان لغة أجنبيّة أو أكثر وإصلاح تعليمها وتوظيفها لتكون رافدا للتواصل مع طوفان المعرفة العالمي، وليس للانتقال إليها، وقد قدّم تقرير المعرفة العربي لعام ,2009 بعنوان نحو تواصل معرفي منتج بإشراف برنامج الأمم المتّحدة الانمائي (UNDP) مسحا شاملا لوضعية التعليم والتكوين والبحث في المنطقة العربيّة، وخلاصاته بوجه عام غير مرضية.
ونحن لا نتفق مع بعض ما جاء فيه، وخاصة فيما يتعلّق بمرجعيات التشخيص والتقييم وتصنيف الجامعات في البلاد العربية التي تعتمد على معايير في حاجة إلى مراجعة، فضلا عن عدم التنبيه إلى الحضر الشامل الذي تفرضه الدول المصنّعة على نقل التكنولوجيات المتقدّمة عن طريق نظام التشفير الذي يمنع من الاطلاع على تقاناتها ويقصر اٌقتناءها على الاستهلاك، أي الاستفادة من خدماتها فحسب، فضلا عن حقوق الملكية الفكرية والصناعيّة الذي يضرب حصارا على المعرفة أو يبيع القديم منها بتكلفة باهظة.
لا يستهدف التوصيف السابق إغفال الجهود التي تبذلها الدول العربية والمؤسّسات التابعة لجامعة الدول العربيّة وبعض مسؤوليها يشارك في هذه الندوة وكذلك مجامع اللغة العربيّة ومراكز ومخابر البحث المتخصّصة، ففي الجزائر على سبيل المثال يمكن القول بكلّ موضوعيّة بأنّ الدولة استثمرت بسخاء كبير في قطاع التربية والتعليم من الابتدائي إلى العالي والبحث العلمي، وخلال العشرية الأخيرة وحدها تضاعفت ميزانيات التربية والتعليم العالي عدّة مرّات، كما يتواصل إصلاح منظومة التربية والجامعة التي بادر بها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في مستهل عهدته الأولى، والملاحظ ارتفاع نسبة التمدرس بين الإناث في المدن والأرياف في كل مراحل نظام التربية والتكوين العالي وتفوقهن في التحصيل العلمي، وهذا مؤشر لا يرى بالعين المجردة على التغير في العقليات والتطور في المجتمع.
5- جهود على الطريق الطويل..
ولعلّ من أهم الخطوات لتوطين المعرفة وتوظيفها لصالح التنمية في الجزائر نذكر:
تأسيس حاضنات للتكنولوجيا المتطوّرة (Incubateurs) وأقطاب الإمتياز.
التحسين الملحوظ للوضعيّة الماديّة والمعنويّة للأساتذة الباحثين، وقد صادق مجلس الوزراء بتاريخ 28 من الشهر الماضي على حزمة من الحوافر الماديّة التي اقترحها وزير التعليم العالي تشمل كل مجالات البحث.
إنطلاق برنامج التحكم في التكنولوجيات المتقدّمة مثل الأقمار الصناعيّة وتكنولوجيا المعلوماتية والشابكة والطاقات البديلة وخاصة الطاقة الشمسية ومركز للتكنولوجيا الحيوية والطاقة النووية لأغراض سلمية.
وفي سنة 1992 صدر مرسوم يقضي بتقديم ملخص بالعربية للأطروحات الجامعية التي تقدم بلغات أخرى كخطوة مرحلية.
وبالإضافة إلى جهود مجامع اللغة العربية التي لا تظهر أحيانا للرأي العام، فإن الجامعة العربيّة ومنظمتها للتربية والثقافة والعلوم تقوم عن طريق مكتب تنسيق التعريب في الرباط الذي أصدر أربعين معجما ثلاثي اللّغة بهدف توحيد المصطلحات، وكذلك المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر في دمشق الذي يسهر على ترجمة المراجع العلميّة الأكاديميّة المتخصّصة الموجّهة للأساتذة وطلبة التعليم العالي الذي أصدر 121 مؤلفا مرجعيا في مختلف الاختصاصات الجامعية ومشروع الذخيرة العربيّة والمعهد العربي للترجمة وكلاهما تابع للأمانة العامة لجامعة الدول العربية، كما يشاركنا في هذه الندوة البرنامج العربي لمنظمة الصحة العالمية (OMS-WHO).
وفي الجزائر مجلس أعلى للغة العربية تحت وصاية رئيس الجمهورية ويحظى بعنايته ورعايته فقد أشرف شخصيا على عدد من نشاطاته العلميّة في العاصمة وداخل الوطن، ويعمل المجلس وفق منهجية تجمع بين العمل الميداني لتعزيز استعمال اللغة الوطنيّة في المجتمع والمحيط والمؤسسات العموميّة والخاصّة وتنمية رصيد اللغة العربيّة بواسطة تبني البحث في علومها وفي مجالات العلوم والتكنولوجيات الحديثة.
وقد أصدر المجلس مجموعة من الأدلّة الوظيفيّة ثنائية أو ثلاثيّة اللغة بالاعتماد على معاجم مركز التعريب في الرباط وما أقرّته مجامع اللغة العربيّة، منها على سبيل المثال دليل لإدارة الموارد البشريّة وآخر للتسيير المالي والمحاسبي وثالث للمحادثة الطبيّة ورابع في الإعلام والاتصال ودليل آخر تحت الطّبع في المعلوماتيّة.
كما أنشأ المجلس منذ 2003 ثلاثة منابر أولها حوار الأفكار حول قضايا العربية وعلومها وحاضرها ومستقبلها وثانيها فرسان البيان للتحبيب في اللسان العربي الجميل وثالثها بعنوان شخصية ومسار للتعريف بأعمال النساء والرجال الذين خدموا العربيّة وثقافتها وعلومها.
كما أنّ للمجلس مجلّة نصف سنويّة بلغت الآن 24 عددًا ودورية أخرى فصلية خاصة بترجمة مستجدات العلوم والتقانات من مختلف اللغات الأجنبيّة، صدر عددها الثالث وهي من المجلات القليلة في منطقتنا العربيّة المتخصّصة في ترجمة المنتوج العلمي والإبداعي العالمي الحديث والمعاصر.
كما نظّم المجلس عدّة ندوات عربيّة ودوليّة نذكر منها اللّغة العربيّة في تكنولوجيا المعلومات والفصحى وعامياتها والطريق إلى مجتمع المعرفة وأهميّة نشرها بالعربيّة، البرمجيات العربيّة باللغة العربيّة والطريق إلى الإدارة الإلكترونيّة، ومستقبل العربيّة في سوق اللّغات وثقافة الطفل، اللغة والهويّة والتعدّديّة اللّسانيّة، لغة المسرح، وظاهرة التهجين، والعربية في الإعلام المكتوب والمسموع…
ويطرح المجلس جائزة كل سنتين للتنافس في مجالات علوم العربيّة والعلوم الطبية والصيدلة والاقتصاد والترجمة ويطمح لتوسيع المشاركة إلى المجالين المغاربي والمشرقي وهو يتكفّل بنشر ما تصادق عليه لجنة التحكيم.
ويعتمد المجلس في كلّ نشاطاته السابقة على الأساتذة الجامعيين والخبراء والمديرين والمستشارين المعنيين في مختلف القطاعات في الجزائر ومن البلاد الشقيقة ومن الهجرة في أروبا والولايات المتّحدة، وقد وصل منتوجه المنشور حتى النصف الأول من هذه السنة إلى 124 إصدارا خلال أقل من عشريّة على تأسيس المجلس، وهي تقدّم بالمجان إلى من يطلبها وإلى المكتبات ومراكز البحث في داخل البلاد وفي العالم، وللاطلاع هناك دليل مفصّل لتلك الأعمال.
ويطمح المجلس إلى توسيع نشاطاته العلميّة ميدانيا وكمَّا وكيفا، وهو يحضر الآن لندوة حول لغة العلم عند العرب قديما وحديثا، في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلاميّة.
7- خلاصة:
إنّ العناية بلغتنا العربيّة وهي من آخر ما يجمع بلداننا نخبا وشعوبا، ينبغي أن يحظى بأولوية على مستوى دولنا ومنظمات المجتمع المدني النشيطة في المجالات العلميّة والثقافيّة، ونحن في المجلس نسميها اللغة الأم أو اللغة المشتركة، وليس لغة الأم أي اللّغة الجامعة أو الموحّدة التي لا علاقة لها بالأعراق والسلالات فقد خدمها العرب والأمازيغ والأكراد وعلماء فارس والقوقاز وإفريقيا وغيرهم، ولذلك فهي لا تقصي اللّغات الوطنيّة المحليّة الأخرى التي ينبغي أن تحظى بالعناية والإحترام.
إنّ الطريق للخروج من التخلف ومضاعفاته يبدأ بالوعي بأن قوة بلداننا تقوم على نشر المعرفة وتوليدها بلغتنا الجامعة، ولاشكّ أن نظام التربية والتكوين العالي والبحث العلمي قطاع إستراتيجي، وله دور قيادي في أي مشروع مجتمعي للتطوير والتحديث في ظلّ حكم راشد يسوده الأمن والاستقرار والعدل ومعيار الاستحقاق.
() خلاصة ورقة ألقيت في
ندوة تعريب التعليم والتنمية البشرية

مستقبل غامض للغة العربية في الجزائر

“الخبر” تسأل مثقفين عن واقع لغة الضاد

تباينت آراء الأساتذة والكتّاب حول مستقبل اللغة العربية في الجزائر، بين متشائم من وضعها الحالي الذي يدعو إلى تدخل سريع من كل القوى الحية في المجتمع، ومتفائل بالنظر إلى الجيل الجديد المعرب.. سألت “الخبر”، في هذا الإطار، مجموعة
من المثقفين حول رؤيتهم لمستقبل اللغة العربية وتطرقت إلى قضايا الترجمة والتعريب.
اعترف رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، عثمان سعدي، بأن اللغة العربية تمر بأحلك أيامها، ملقيا اللّوم على السلطة الجزائرية التي أعاقت في كثير من المرات تطبيق قانون تعميم استعمالها، وقال بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي أقرته “اليونسكو”: “اللغة العربية مذلولة فيالجزائر والفرنسية هي السيدة”.
اللغة العربية مذلولة في الجزائر والفرنسية هي السيّدة
قدّم الأستاذ عثمان سعدي، رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، مجموعة من المقارنات حول الجزائر والفيتنام، فيما يتعلق بالتحرر الحقيقي من الاستعمار، وقال ل”الخبر” إن العالم عرف في القرن العشرين ثورتين عظيمتين، هما ثورة الفيتنام والثورة التحريرية الجزائرية، مضيفا أن نتاح أي ثورة يعتمد على الأهداف التي تحققها، وترتكز بالخصوص على تحرير الأرض والإنسان، معلقا أن الفيتنام استطاعت أن تصل إلى الهدفين معا، بالمقابل “في الجزائر حرّرنا الأرض، بينما مازال الإنسان ملحقا بالمستعمر السابق فكربا ولغويا وثقافيا”. وأوضح عثمان سعدي بأن الثورة الجزائرية تآمروا عليها، مشيرا إلى أن اتفاقيات إيفيان تمت بصيغة واحدة ونسخة واحدة مكتوبة بالفرنسية، بينما مفاوضات جنيف قبلها كانت بنسختين “لقد دخل أعضاء الاتحاد الوطني للطلبة المسلمين وكوّنوا دولة فرانكفونية، بينما الثورة كانت ثورة الشعب الذي يتكلم اللغة العربية”. وأعطى عثمان سعدي الذي كان ساخطا على الوضع الحالي، مجموعة من الأمثلة قائلا” “اللغة العربية تمر بأسوأ مرحلة من مراحل حياتها في الجزائر، آخر مرة زارنا الوزير الأول ولوحة كبيرة تبيّن عنوان اللقاء، لكن الحديث كله دار باللغة الفرنسية”، مضيفا “إن اللغة العربية مهملة ومهمشة بينما الفرنسية سيدة”. ولم يخف عثمان سعدي تفاؤله بمستقبل اللغة العربية، رغم كل العراقيل، إذ أن جمعيته تعرضت للتضييق وأغلقت جميع مقراتها التي كانت تبلغ 17 مقرا وهو يديرها حاليا من بيته، كما أوقفت الدولة مساعداتها للجمعية منذ 1994، قائلا “إن الجو مهيأ للغة العربية لتكون سيّدة، لأن المدرسة معرّبة مائة في المائة إلى غاية البكالوريا، ينقص فقط القرار السيادي الذي يجب أن يتخذ من طرف أعلى السلطات لإعادة الاعتبار للغة العربية وتفعيل قانون تعميم استعمالها، مضيفا أن المجلس الأعلى للغة العربية تم تأسيسه من أجل هذا الغرض، لكنه قام بكل شيء إلا ترقية اللغة العربية وإعادة الاعتبار لها وتطبيق قانون تعميم استعمالها.
التعريب مستعجل ووجود اللغة العربية ثقافيا مخيب للآمال
قالت مديرة المعهد العالي العربي للترجمة بالجزائر، في إجابتها عن سؤال “أين نحن من الخمسين سنة؟”، بأن مرحلة التعريب في الجزائر عرفت أخطاء كثيرة، وأدت إلى نتائج سلبية، كما قالت: “ارتكبنا أخطاء في التعريب، كان يجب أن يمر على مراحل حتى وإن تم بعد مائتي سنة”. ورغم ذلك، فقد أكدت أنها متفائلة بواقع اللغة العربية في الجزائر، بحكم كفاحها من أجل الخروج من عباءة المستعمر الفرنسي “العربية هي لغتنا وعنوان تاريخ، وفي الجزائر يجب أن لا نكون متشائمين”، لأنه، حسبها، قبل خمسين سنة كانت اللغة العربية وآليات تدرسيها في وضعية جد مهلهلة.
وأوضحت الدكتورة إنعام بيوض بأنه ورغم نوعية النتائج، إلا أنه لا يمكن أن نحسبها فقط على مشروع التعريب، كما قالت إن واقع اللغة العربية في الجزائر مرتبط بالتنمية والتعليم “يجب أن تحل مشاكل التعليم العالي”، مشيرة إلى أن التنمية الاقتصادية أيضا لها دور في عملية التعريب في الجزائر، كما تساءلت: “كيف نتحدث عن واقع اللغة العربية لدى الأسر التي تعاني من حالة فقر، بينما الطبقة الوسطى تتآكل”، وأكدت أن الحل يكمن في “أن تتحول اللغة من مجرد أيقونة إلى الحياة اليومية”. وتحدثت الدكتورة عن تداعيات الفترة الاستعمارية على اللغة العربية في الجزائر، كما قالت إن اللغة العربية ضحية صراع سياسي إمبريالي “إن هناك مخططا لتحقير اللغة العربية، من خلال محاولة إلصاق كل مساوئ التعليم في الجزائر عليها”.
ويرى محمد ساري، من جهته، أنه بالنظر إلى انتشار العربية في التعليم ووسائل الإعلام، نستبشر خيرا. ولكن إذا نظرنا إلى مستواها في المجال الثقافي ومدى انتشار المقروئية، نصاب بخيبة أمل، حيث يشير إلى عدم التوافق بين عدد المتعلمين ونسبة قراء الأدب والثقافة عموما، يقول: “هناك تعامل إعلامي مع اللغة العربية، ما يعني رواج قراءة الجرائد والمجلات الرياضية والأخبار العامة. لدينا قراء متوسطون أكثر، أما قراء الفكر والثقافة عموما فإنهم قلة نادرة”. وبالمقابل لا يخفي تفاؤله بالقول إن هناك بوادر ارتقاء هؤلاء القراء إلى نخب قد تهتم أكثر بالفكر والأدب، وذلك من خلال ما نراه في السنوات الأخيرة في الصالون الدولي للكتاب، ومن خلال تعاملنا مع الجيل الجديد من الأساتذة والطلبة، مضيفا أن الكثرة تولّد حتما النوعية التي ستطور العربية وتمنح لها المكانة التي تليق بها كلغة حضارة وتراث عظيمين.
وضع اللغة العربية في تحسن لكننا نريد المزيد
يعتقد جمال بلعربي أن وضع اللغة العربية في تحسن مقارنة بما كان عليه في السابق، معلقا “لكننا نريد ما هو أحسن”، مطالبا بضرورة الاعتماد على الذات بدل تكرار تجارب الآخرين، حيث دعا إلى الاشتغال عليها بتطويرها وتحيين جوانبها المعجمية، بمساعدة البحث العلمي، بأن نهتم بمختلف جوانب اللغة العربية وضبط المعجم الذي هو مهمل الآن، وبالتنوع اللهجي واستثماره في البحث العلمي وفي مجالات التواصل الاجتماعي ولغة التواصل اليومي، موضحا “نحن الآن نتعامل بلغة لا يواكبها العلم”، إضافة إلى وجود سلبيات على مستوى التعليم، وضبط المصطلحات العلمية، رغم وجود اجتهادات معتبرة في هذا المجال. ويرى الأستاذ عاشور فني، من جانبه، أن اللغة العربية تعرف حاليا من حيث التعليم والانتشار تطورات كثيرة، وحتى في استعمالاتها اليومية عند الناس، وفي الأمور التي لها علاقة بالفضاء اليومي، لكنها بالمقابل، يضيف، “تشهد تراجعا في المجال التكنولوجي”. أما في المجالات الاقتصادية والمالية وحتى السياسية، يقول عاشور فني إن هناك نوعا من الانتقاء، حيث اللغة العربية تحتل مرتبة دنيا، ويوضح “الغالب الآن أن اللغة العربية أصبحت عائقا أمام الكفاءات، ما يدفعها إلى تعلم لغة أجنبية. أما سياسيا، فاستعمال اللغة الأجنبية أصبح وسيلة للانتقاء السياسي، إلى درجة أنه يجب استعمال اللغة الأجنبية حتى يتحقق القبول”.